ما بعد عاشوراء..

وقد انقضت عشرة عاشوراء وشارفت عشراتها اللاحقة بها على الانتهاء، أقترح على المنظرين والباحثين عن الحقيقة بين طيات الأزمان ودهاليز التاريخ أن يستغلوا الفترة الممتدة من الآن وحتى عاشوراء القادم ويبدأوا بالنبش والتفتيش والتمحيص والتدقيق، وأن يبادروا بالتواصل مع العلماء وخطباء المنابر المعتبرين والأدباء والمثقفين المتخصصين والمحايدين ويجتمعوا ويبدأوا رحلة البحث عن الحقائق التاريخية المبعثرة هنا وهناك ويلملموها ويرقعوها ويظهروها بشكلها الكامل والنقي والصادق دون شوائب ولا زيادة أو نقصان.

هي فرصة حقيقية نؤيدها نحن العوام بأن يراجع جميع المهتمين بالقضية التي لا يستسيغ البعض إثارتها إلا في أوج حرارتها والسباحة في بحر عَبَرَاتها المتلاطمة، ولا نريد أن ندخل في النيات والتي نحسب أنها نيات صادقة إن شاء الله.

رحلة البحث عن الحقيقة

نحن فقط نريد أن يبتعدوا عن الجدل أثناء المناسبة ذاتها ويتركوا العَبْرة تسيل كيفما تسيل، وأن يدعونا على سجيتنا، ولا أحسب أنهم لا يؤمنون أو يقدرون الحزن والبكاء والندبة والعزاء على مصاب سيد شباب أهل الجنة وآله الأطهار وصحبه الكرام عليهم جميعًا الصلاة والسلام، فقط نريدهم أن ينصتوا معنا أثناء المناسبة للاستماع للحسين وهو يتلو الأحداث ويسطر الملحمة كما يراها ويسمعها ويُقِرُّها هو، وأحسب أنهم يسلموا بأن سيد الشهداء يسمع ويرى ويوجه ويصوب، إلا إذا كانت لهم وجهة نظر أخرى نحن لا نعلمها ولا نفقهها.

“ما علينا” المهم هو أن يحملوا اقتراحنا على محمل الجد ويقدروا عفويتنا ويبدأوا بتوفيق الله رحلة البحث عن الحقيقة مع الطرف الآخر المقترح ويختاروا النخبة الصادقة من الفريقين، ونحن سننتظر النتيجة وإن شاء الله نرى التغيير والتطوير فيما نأمل ويأملون، فلا خلاف معهم في أن هناك ما يمكن تنقيحه وتهذيبه ليكون أفضل وأعم للمنفعة ويخلصنا من الجدلية العقيمة التي لا تطل برأسها سوى في قلب الحدث وتشوش على الناس إقبالهم على المناسبة.

الشيء الملفت بالمناسبة هذا العام هو الإقبال الطاغي من الشباب والذين كانوا يصطفون قبل فتح مجالس العزاء بوقت طويل ثم انتظار الخطيب لوقت آخر مماثل، كما أن التفاعل كان مدهشًا أيضًا وهو الأمر الذي يخالف رأي من يخاف عليهم مما يطرح على المنابر من أن ينفروا أو يمتعضوا وما شاكل مما قيل ويقال، وكأن هؤلاء الشباب قد قدموا من المجهول ولم يكن لهم آباء وأمهات أرضعوهم وغذوهم وربوهم واعتنوا بهم ليكونوا تحت مظلة الحسين وفي سفينته وتحت عنايته ورعايته ، فليطمئنوا أن هناك من يخاف عليهم أكثر من خوفهم الذي يشكرون عليه.

ونختم بالقول إننا نظن جازمين أن قصد هؤلاء هو المصلحة أكيد بأن يكون المنبر مصدر عطاء متجدد وبعيدًا عما يعكر صفو المناسبة وأن تعم الفائدة على الجميع، كما نجزم بأنهم لا يقصدون منع العَبرة والاكتفاء بالعِبرة، خاصة في أوج المناسبة العظيمة أعادنا الله على أيامها في خير وصحة وعافية ونحن جميعًا في خندق واحد وكلمة سواء، ويجمعنا الحسين عليه السلام حول موائده الشريفة، والسلام.



error: المحتوي محمي