يعتبر التعليم في العصر الحاضر حجر الأساس لتقدم الفرد والمجتمع، ولضمان مستقبل مميز، لذلك تبذل الدول والمنظمات اهتماماً واسعاً بالعملية التعليمية وبشكل كبير.
وقد تطورت عناصر العملية التعليمية عبر الزمن، تبعاً للدراسات والنظريات المبتكرة، لتحقيق أهداف المؤسسات التعليمية.
وكما هو معلوم أن عناصر العملية التعليمية تتكون من: الطلاب والمحتوى التعليمي وطرائق التدريس والمعلم والبيئة التعليمية والوسائل التعليمية.
ولنجاح أي عملية تعليمية لا بد من تفاعل جميع عناصرها مع بعضها البعض، والتي تؤدي مجتمعة إلى تحقيق الأهداف المرجوة؛ فمجرد حدوث أي خلل في ذلك التفاعل لن تصل العملية التعليمية إلى ما تصبو له، وبالتالي سيحدث خلل كبير في المخرجات التعليمية.
وحيث إن المسؤولية تشتد وتتأكد في زمن الأحداث المتغيرة، كوضعنا الحالي في ظل انتشار هذا الوباء “كورونا”، والذي لم يعد نوعاً واحداً، فبين فترة وأخرى تحدث انتكاسات، من ظهور نوع متحور إلى آخر؛ فمن المعلوم أن المتحور الجديد بدأ يظهر وبقوة في بعض الدول المجاورة، وهو ما يطلق عليه بالفتّاك أو القتّال.
لذا يجب علينا جميعاً ومن باب المسؤولية أن نستعد للفترة القادمة بالتخطيط المناسب، ناهيك عن التصور الذي وضع من قبل وزارة التعليم هو تصور بدائي أولي لا يحقق أدنى معايير العملية التعليمية، وأبرز خللاً واضحاً ظهر في تقسيم الطلاب إلى مجموعتين أو ثلاث حسب أعداد الفصول.
وبقراءة سريعة لتجربة الأسبوع الأول من الدراسة، نجد الخلل الكبير في عدم توفير إنترنت كاف داخل المدارس، ومع تباين حجم المناهج التعليمية، سيجعل من هذه التقسيمات ذريعة للفشل على مستوى التحصيل العلمي، وليس بطريقة إنجاح الطلاب.
فهل تناست الجهات التعليمية متطلبات اختباري القدرات والتحصيلي واللذين يعتمدان في واقعهما على هضم المواد واستيعابها، وليس على النجاح في الثانوية العامة.
ولعل أقرب تجربة هي مخرجات العام المنصرم، وعدد المقبولين في الجامعات، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار ما حدث في كثير من جامعات المملكة حيث محاباة المناطقية على حساب المواطنة، متناسية جهود الحكومة في سن قوانين محاربة المناطقية، والقبلية، والمذهبية وأن جميع المواطنين على حد سواء.
وعوداً لمشكلتنا الأساس لهذا العام الدراسي؛ فكيف يطلب من طلاب التقسيمات أن يتابعوا دروساً جامدة عبر منصة “عين”، وأنى لها القدرة على متابعة مدى هضم واستيعاب المادة، فضلاً عن الزمن الطويل الذي سيتابع الطالب المنصة بملل وتثاقل، بينما نعد بلدنا من الدول المتقدمة، ولدينا من القدرات والخبرات التقنية والأكاديمية في تحويل فصولنا، وقاعات التعليم إلى دروس مزامنة، يمكن لمن هم في منازلهم متابعة المعلم من خلالها.
فحري بالمسؤولين في وزارة التعليم أن يتحلوا بالواقعية، وأن يكونوا عمليين عبر زياراتهم الميدانية للمدارس وبشكل عشوائي للتعرف عن قرب على واقع المدارس، ومشاركة من هم شركاء لهم في العملية التعليمية، سواء المعلمين، وأولياء الأمور ليصلوا إلى حلول تساعد العملية التعليمية على النجاح، لا الفشل.
من باب التذكير فقط بشأن بعض الممارسات التي تعاني منها المدارس وأولياء الأمور، والتي تكشف البعد عن التخطيط الجيد؛ فمدارس تم تحويلها إلى مدارس طفولة مبكرة خلال الأسبوع ما قبل بدء الدراسة، وبعضها بين عشية وضحاها عادت كما هي رغم شمولها بالقرار، حتى أصبحت الأمور متخبطة، فلك أن تتصور أنه خلال إجازة نهاية الأسبوع يتم نقل طلاب لمدرسة أخرى، وتظل الأسماء معلقة، ولم تسند للمدرسة الجديدة، وبالتالي لم يتمكنوا من الدخول للمنصة.
أما معاناة المعلمين الذين تحولت مدارسهم إلى طفولة مبكرة خصوصاً أصحاب التخصصات العلمية؛ فبعد الخبرة الطويلة في تدريس الصفوف الأولية ولمدة تجاوزت العشرين عامًا عند بعضهم، يجدون أنفسهم في مدارس المرحلة الثانية، ويطلب منهم تدريس المواد العلمية؛ فهل يعقل بعد هذه المدة أن تكون له القدرة على العطاء بالشكل الذي يتناسب مع حجم المادة(؟!)
وقس على ذلك المشاكل داخل أروقة المدارس، فضلاً عن مأساة الصف الأول المتوسط، والذي لا يتجاوز حضور الطلاب منه عشرة طلاب، إما بسبب العمر أو عدم حصولهم على جرعتين من التلقيح.
فحين يحصل الفشل في العملية التعليمية ستضيع خطط المملكة التي تصبو لها من خلال الرؤية 2030 وستصبح في مهب الريح، وسيتحول التعليم إلى معول هدم وليس بناء كما هي رؤية ورسالة وأهداف وزارة التعليم.
فما أحوجنا إلى الواقعية والبحث الجاد عن الأسلوب الأنجح وذلك عبر مشاركة جميع أفراد العملية التعليمية من أهم عنصر والأساس وهو الطالب إلى الأسرة والتي أصبحت تتحمل الكثير من الأعباء والجهد الذاتي إضافة إلى المعلم المكبل الذي ليس بيده إلا القيود والأسر بين القرارات وما يأمل في تحقيقه وتقديمه لطلابه.
ولعل تجربة التعليم عن بعد على مرارتها -على صورتها في العام الماضي- ستكون أكثر إنتاجية، لكنّها ليست الحل الأفضل والناجع، إذا ما تكاتفت الجهود للخروج برؤية أفضل، ولعل الوصول متأخراً خير من عدم الوصول، فالعام الدراسي بدأ والصعوبات تكالبت على الطالب والمعلم والأسرة وأكثر المتضررين هم أبناؤنا الطلاب، وبالتالي المجتمع بأكمله لأنهم عماد المستقبل.