التعليم بالمسؤولية

ثمّة أمور لا بدّ أن تَلقى المساندة والدعم اللامحدود عندما يكون بناء الأبناء فلذات الأكباد هم المعنيّون والمتأثّرون، وتتعاون الأيدي وتجهّز كل الموارد في سبيل الحدّ من كل سلبيات الظروف وخلق واقتناص فائدة وأخرى وثالثة من خلف الأبواب المغلقة لتربيتهم وتعليمهم وتهيئتهم للمستقبل الواعد، فهم زينة الحياة ويُبذل لهم الغالي والرخيص منذ تكوّنهم وإلى آخر العمر حيث نرى الآباء والأوطان تمهّد لهم كل سبل الحياة والرفاهية والتقدّم، ونلاحظ رضوخ كل الضوابط وتغييرها لتكون متلائمة مع الظروف التي تناسب الأبناء وبما يحفظهم في صحة وسلامة وأمان.

مسؤولية التربية الملقاة على الأم محل تقدير ووصَل رنينها المستحق إلى أذن الرضيع، والمعلّم في معاملاته مع الأبناء هو في الواقع يكمل ما تقوم به الأم والأسرة ومتى تصادما (الأم والمعلّم) في خطوط التربية -لا سمح الله- تلاشت الجهود وخسرنا الأبناء والمستقبل.

من مسؤولية وزارات التعليم ومن في حكمها -بشكل عام- أن تكون مرافقها من مدارس ومعاهد وكليّات وجامعات حنونة على الطلبة وجاذبة تحقق طموحاتهم وتشعل ما فيهم من فكر ومواهب وإبداع متّقد، بل نرى أن من واجباتها صناعة المستقبل بدغدغة أحاسيسهم وإشعال فتيل النشاط ومعالجة التراجع والكسل. هذه المهام الموكلة على الطّاقم التعليمي تلزم أن يكون المعلّم مؤهّلاً لها عبر مستوى تعليمي مناسب ودورات تربويّة وإدارية منوّعة يكسب منها ما يحتاج من مهارات وقيادة لإدارة حصصه والتزاماته بإتقان. ولا جدال أن ما يقوم به المعلّم وخصوصاً في المرحلة الابتدائية الدنيا عمل عظيم لأنه يخطّ جزءاً كبيراً من مسار الطلبة المستقبلي ويكمله من بعده زملاؤه في الابتدائية العليا والإعدادية والثانوية، مع أهمية طرح الخطط وتبادل الخبرات مع الأقران على الأقل في المنطقة والوطن ويكون هذا الموضوع التعليمي التربوي المهم محل نقاش وتشاور مفتوح وتحسين مستمر.

الحاجة إلى التقدير عنوان عريض وهو من الأمور المهملة رغم ثقلها في حسنات الدنيا والآخرة ويكاد القول بأحقيّة واحدٍ من عشرة على الأقل نشاهدهم في كل ساعة لقاء، فكم من طبيب وخطيب وإمام مسجد ورجل دين وشاعر وكاتب ورئيس ووجيه ورجل أعمال ومتطوّع وأكاديمي وموظف ولاعب ومدرب وناشط اجتماعي وعضو لجنة ومتعهّد نظافة ومعلّم وآخرين، بحاجة إلى كلمة شكر وتقدير من المجتمع ولكنها في الغالب تتأجّل كثيراً وربما تختفي ولا تصل في الوقت المناسب حيث انحسرت ثقافة التقدير وانحصرت في مجالات نادرة يحتاج لإعداد حفلها علاقة قويّة ومعاملة راقية وخاصّة يصعب تكرارها. العلاقة بين الطالب والمعلّم بها توأمة فالتكريم لهما لا مجال إلاّ أن يكون مزدوجاً حيث تميّز أحدهما من تميّزهما معاً، والحال ذاته يفرض نفسه عند الحاجة إلى تقدير الأسرة من المدرسة أو المجتمع نظير تميّز الابن، والمجتمع يطلب من المعلّم الجهد الكبير لأداء كامل المهام شاملة الإنجازات مع الطلبة والتفاعل مع طلبات الأسرة في الوقت الذي يتاح له إمكانيات وموارد محدودة.

الفلترة في المسار التعليمي من الضروريات وكلما تقدّمت اتّضح الميول وقلّ هدر الوقت على الطلبة، حيث لاحظنا تسرّب البعض من المدارس التعليمية إلى المعاهد المهنية لظروف عديدة منها عدم الرغبة في التعليم ووضع الأسرة الاجتماعي والهروب من الإزعاج المدرسي والحال مستمر بعد المتوسطة والثانوية تتّجه مجموعة كبيرة من الطلبة إلى البحث عن وظيفة، وآخرون مع صعوبة الحصول على قبول جامعي يضطر إلى شراء مقعد في تخصّص مجبورٌ عليه لأنه المتاح، والبعض يوقف مسيرته ويعيش ضنك الحياة وأثقال البطالة. ومع ضعف إمكانيات الأسرة، من الطبيعي القول إنه ليس الجميع قادرًا على السعي الحثيث لإيجاد حل ولو ضعيف لابنه وليس بالسهل إرساله إلى الدراسة في الجامعات الدولية، ولكن عدم الفلترة تنتج ثلّة تريد أن تواصل لم تنل القبول وثلّة أخرى مستواها متواضع نالت فرص القبول وبعد حين توقّفت لأنها لم تستطع مواصلة الدراسة.

ولا جدال أن مملكتنا الحبيبة قد انفقت عشرات المليارات سنوياً على برامج الابتعاث خلال العقدين الماضيين لرفع مستوى التحصيل العلمي والمعرفي عند شريحة واسعة من الشباب والشابّات وعليهم يعقد أمل التطوير والرقي بعون الله، وأرى أهمية العمل على سرعة إنشاء جامعات في كل المحافظات تعزّز  مع إكمالها وجاهزيّتها خطوة إيقاف الابتعاث العام وتكون قادرة على استيعاب خريجي المرحلة الثانوية الذين يتكبّدون وأولياء أمورهم  الكثير  من الضنك والتعب في البحث عن كرسي مؤكّد خلال فترة التسجيل، حتى يمكننا معالجة هذه العوائق والقول بعد افتتاحها إننا تغلّبنا على مشكلة القبول الجامعي لعقود قادمة – بإذن الله.

من أجل أن نعزّز التعليم بالمسؤولية نوصي بما يلي:
ربط الخطوات والمهام التعليمية بشكل عام وكامل مع مفهوم برنامج جودة الحياة، وتكثيف الزيارات وتبادل الخبرات ومشاركة نخبة من الطلبة مع الدول المتقدّمة في النهج التعليمي، وإشراك الطلبة في إعداد مسؤولياتهم داخل مرافق التعليم وخارجها، وتكريم الطالب المبدع -خارج المقررات- في كل مستوى نهاية كل فصل، يُدرّس لطلبة الابتدائية المعلمون ذوو المهارة التربوية والخبرة لثلاث سنوات وأكثر، وعمل مراجعة دورية وتقييم شهري للصفوف في نفس المستوى وتكريم الصف المثالي، وعمل مراجعة دورية وتقييم معلمي المادة وتكريم المعلّم المثالي في كل فصل دراسي، وعمل زيارات وندوات لتعريف الطلبة بالمعاهد والكليات والجامعات، وتدريب الطلبة على عمل الدراسات والأبحاث.

في المرحلتين؛ المتوسّطة والثانويّة نقترح إتاحة استخدام كل ما هو متاح من مستندات مع الطالب للإجابة عن الاختبارات أو المراجعات الدورية، وتعليق صور مجموعة من المواهب والمبدعين والشخصيات المعرفية الملهمة -مع نبذة مختصرة عن تميّزهم- في صالات وساحات المدارس، وإعداد اختبارات اختيارية (نهاية كل مرحلة) على نمط اختبارات قياس، متاحة للعامة على المواقع التعليمية الإلكترونية، وإعداد رابط للاقتراحات والملاحظات من قبل أولياء الأمور على صفحة مكتب التعليم بالمحافظة، من مسؤولية كل فرد أن يكافح الجهل ويقاومه ما أمكن، حتى لا يحتمي بشهادة.



error: المحتوي محمي