في جزيرة تاروت.. ليلى آل تراب اشترت أسرتها بشهادة الفيزياء.. وفي الأربعين صاحبت الدمى الصوفية

استوطنها شيءٌ كبير من تلك الجنة منذُ أن كانت صبيةً في الثالثة عشرة، فقد كانت تتأمل والدتها وهي تباركُ يديها بالأعمال الحرفية المتعددة مثل فنّ الكريستال وغزل الكروشيه، ومع كل غرزة تقع عيناها عليها، كانت ليلى محمد آل تراب تُفتن بهذا الفنّ الشحيح في وقته، وفي كل إنجازٍ من صنيع والدتها تُلهم أكثر، فلم تكن والدتها تناقشُ أو تحاضر أمامها، بل كانت نموذجًا حيًا للمعلمة الأولى التي صنعت حياة ابنتها المهنية الآن.

ابتعدت “آل تراب” عن خيوطها التي ألِفتها أمدًا بعيدًا، بعد أن بدأت حياتها العائلية الجديدة؛ لأنها تؤمن بأنّ البيت والأسرة يتطلبان منها التضحية والاهتمام بتفاصيل الحياة الأسرية فضلًا عن كمالياتها، وبيتها يأتي أولًا، لكنّ فصل الشتاء البارد كان يجعلها تعود بين فينةٍ وأخرى؛ لتصنع الدفء لأسرتها فتحوطهم بأناملها وحبّها بالبطانيات والقبعات والجوارب الشتوية.

دمية جديدة
لم تكن فكرة المشروع تراودها في تلك الفترة، فقد تركت دراسة الفيزياء في الجامعة وانغمست في حياتها العائلية، كما أنّ الغالبية من نون النسوة في عائلتها كنّ يزاولن الحياكة، لكنّ الأبناء كبروا وأصبحوا يعتمدون على أنفسهم، لذلك قررت وهي في سن الأربعين أن ترتب خيوطها القديمة وتفرز الصالح منها للعمل، فكانت بداية الحجر وتحديدًا أبريل 2020 شهر انطلاقتها الحقيقية للعودة لممارسة هواياتها القديمة، ومن هنا تحمست وتحدّت نفسها أن تصنع دمية جديدة من خيوطها وإبرتها القديمة.

ريحان
تروي ابنة جزيرة تاروت قصتها مع صناعة دمى الأميجرومي لـ«القطيف اليوم» قائلة: “جذبني عالم فن الأميجرومي الذي هو فن ياباني المنشأ يستخدم الكروشيه والتريكو لصناعة مجسمات محشوة، وقد كان أول مشروع لصناعته لنوع من أنواع الفاكهة شبيهة بالبرتقال وتوجد بكثرة في اليابان، وبعدها بدأت حياكة العديد من أنواع الفواكه، وانتشر هذا الفن في العالم أجمع لحياكة الدمى والحيوانات والشخصيات الكرتونية وغيرها”.

وتتابع: ” بدأتُ بحياكة الدمية الأولى لي وأسميتها “ريحان” من بقايا خيوط قديمة، ولم أواجه صعوبة في ذلك بحكم خبرتي في الكروشيه، فكانت ريحان إنجازي المبهج الذي أهديته لابنتي، وقد خلقت في داخلي شغفًا كبيرًا في إنجاز المزيد من القطع واحدة تتبعها أخرى”.

حكاية دمية
أنتجت ليلى العديد من دمى الأميجرومي، فدميةٌ تتبعها أختها، وكان كل ابن من أبنائها الخمسة يحتفي بدميته الخاصة في كل أسبوع، ثم توسعت دائرتها فنال أبناء أخواتها وإخوانها تحفتهم من تلك الدمى.

بعد ذلك بدأت في عرض دُماها على حسابها الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي من “سناب شات” و”إنستجرام”، فانهال عليها التشجيع، بل وأصبح الإقبال على مجموعتها أكبر، لكنّها كانت ترفض البيع لهوايتها،
ومع مرور الوقت اقتنعت ببدء مشروعها الصغير بعدما عملت على حياكة دمى خاصة بها وليست مكررة من فنانات أو صفحات الأميجرومي، حتى حلّ شهر يوليو 2020 م الذي شهد انطلاقة dool juorny أو “حكاية دمية”.

تزايد وتناقص
تبدعُ “آل تراب” في الأميجرومي الذي يعتمد على حساب غرز التزايد والتناقص “الباترون” في كل قطعة؛ لإبراز الشكل والانحناءات بشكل دقيق.

وتستخدمُ في ذلك أدواتها الخاصة لصناعة الأميجرومي وهي؛ السنارة والخيط والمقص والحشو بالقطن والأعين البلاستيكية التي يمكن الاستغناء عنها بالتطريز، كما تحتاج لماركر (فاصل) لمعرفة عدد الأدوار وموقع غرزة البداية، ولا تستغني عن إبرة الخياطة لإخفاء الخيوط الزائدة وخياطة الأطراف، مع أسلاك معدنية لإعطاء الدعامة لأنواع من الدمى.

سنارة
تتعدد الخيوط التي تحيك بها “آل تراب” أميجرومياتها ما بين الصوفية والقطنية والمخلوطة بين قطن وبوليستر وصوف، وكلما كبُر حجم الخيط والسنارة زاد حجم القطعة، فمن الممكن صناعة دمية بحجم 40 سم، والأخرى بحجم 20 سم، بنفس الباترون ولكن مع اختلاف قياس الخيط والسنارة، لذلك فإنّ أول خطوة في صناعة الأميجرومي هو اختيار السنارة المناسبة للخيط المناسب.

وتفضل ليلى الخيوط القطنية منذ بداية عملها؛ لأنها تعطي الدمية ملمسًا ناعمًا وراقيًا في نفس الوقت، وتتوفر منها ألوان جميلة ودرجات كثيرة جدًا من القطن على عكس الصوف، حسب وصفها.

أبطال الصحة
يزخم دولاب “آل تراب” بالعديد من دمى الأميجرومي، فمن بداية مشروعها إلى الآن وخلال عام ونصف العام أنتجت أكثر من 130 دمية وحدها، من بينها 40 دمية لممرضة ودكتورة.

وتبين تلك الفنانة أنه لا يوجد وقت محدد تستغرقهُ في إنتاج دميتها الواحدة، فالشكل والحجم هما اللذان يحددان الوقت، وهناك تفاوت كبير بين القطع يرجع إلى حجم القطعة ونوع الخيط المستخدم سواء أكانت رفيعة أو سميكة، إضافة لتفاصيل كل قطعة، واستخدام الأسلاك وتطريز بعض الملامح، مشيرةً إلى أن السعر يُحدّد بناء على ذلك كلّه.

لا محاكاة
ابتعدت “آل تراب” عن محاكاة الآخرين في أعمالها، فقد كان هدفها واضحًا أمامها منذُ البداية، وهو أن يكون لمشروعها بصمة خاصة تميز أعمالها عن الآخرين، وتكون قطعها قريبة من روحها ومشابهة لها، لذلك اهتمت باختيار الخيوط والألوان واعتماد العيون البسيطة لكل الدمى أو العيون البلاستيكية البسيطة أيضًا لبعض الحيوانات.

ثقافة
وعن نظرتها لعملها تقول: “أعتبرُ عملي هويتي وثقافتي التي تمثلني، وأبطنّها في أعمالي لمن يتأملها بدقة، فالدمى لديّ وإن كانت أغلبها تُهدى للأطفال، إلا أنني حريصة على أن تكون دميتي محتشمة في لباسها وغير مبهرجة، لأنّ كل فردٍ منا قادر أن يودع أعمالهُ رسالتهُ الصامتة”.

وتتابع: “بالنسبة للأشكال فأنا أعتمد الشكل العام من ناحية لون الشعر والبشرة ولون الملابس والمهنة بغض النظر عن تفاصيل الملامح رغم كثرة الطلبات عليّ والاستفسارات على عمل شخصيات وإيموجي، لكنني أعتقد أن التخصص في أي مجال يعطي قوة للعمل من شتى النواحي، فقد يتخصص البعض في محاكاة الشخصيات ويبدع في هذا المجال، وكلٌّ له لونهُ الذي يشاء”.

ممارسة وتجديد
صاحبت “آل تراب” الشبكة العنكبوتية خلال رحلة مشروعها، وتعرفت من خلالها على فنانات عربيات وأجنبيات وتبادلت معهن بعض التجارب والباترونات.

وخلقت الممارسة تطورًا وتجديدًا دائمُا لدُماها، فقد أضافت بعض القطع القماشية للدمى وأنواعًا من البروشات المعدنية التي تتناسب مع بعض المهن، ونظاراتٍ معدنية، وخاماتٍ من الفلين، وخيوط الخيش وتطمحُ حاليًا وقريبًا لاقتناء إكسسوارات وملابس دمى.

النمطية والتكرار
تثمّن “آل تراب” العمل اليدوي، واصفةً إياه بالثروة التي لا تُقدّر بثمن؛ لأنهُ يحتاج وقتًا وجهدًا وتطويرًا مستمرًا، وخصوصًا الحياكة التي تتطلّب التركيز، كما أن الجهد يضغط على يدي ورقبة وأكتاف من يمارسها، وهذا ما يجعلها متعبة إلى حد كبير.

وتوضح: “الكثير ممن امتهن هذا الفن لم يستطع مواصلة العمل بشكل فردي”، مستدركةً أنها رغم التعب تعشق عملها كثيرًا، والسلبية الوحيدة التي تسوؤها وعانت منها خلال فتح متجرها هي النمطية والتكرار من رواد المتجر، وليس لديها الوقت الكافي للإبداع والتجديد.

تحديات
أطلقت “آل تراب” أسماءً خاصة لتلك الدمى التي بدأت بها مشروعها، فلديها؛ روز، وليلك، وورد، ونيلوفر، وياس، وجميعها تحمل أسماء الورد، وكلها أيضًا نتاج مخيلتها.

مع الوقت تحدّت ليلى نفسها بإنتاج دمى خاصة، فكانت الممرضة والمهندسة أصعب الدمى، ومع التكرار أضحت محببة وممتعة لديها، كما صنعت أطواق تعليق لأبواب غرف الأطفال بدمية وبالونات بشكل قلوب، وهذا العمل أحبتهُ كثيرًا، ومما يسعدها أكثر أنّ زبائنها أصبحوا يعرفون عملها دون رؤية الشعار الخاص بمتجرها، وقد كان من ضمن أهدافها الأولية أن تترك بصمتها الخاصة على القطع.

حافظْ عليّ
ترفق “آل تراب” مع كل دمية توصلها لزبائنها تعليمات لإطالة عمر الدمية والمحافظة على رونقها وتتمثل في؛ الغسيل اليدوي بالماء البارد برفق، واستعمال شامبو خاص بالشعر الدهني لخلوهِ من الزيوت التي قد تؤثر على جودة الخيوط، وعدم عصر القطع بعد الشطف، وينبغي أن توضع القطعة في مصفاة لإنزال الماء، ثم على قطعة قطنية لسحب كمية الماء المتبقية، ويمكن تعريضها لمصدر هواء مع مراعاة تقليبها بين الحين والآخر.

فريق عمل
تتطلع ليلى لتنفيذ دورات خاصة بمشروعها، وأن تمتلك فريق عمل مدربًا يستطيع تنفيذ القطع بنفس هوية المتجر؛ لتكون القطع جاهزة للاستلام في أي وقت، وأن يوفر أنواعًا جديدة من الخيوط غير المتوفرة في منطقتها، ففي جعبتها الكثير الذي لا يسعفها الوقت من تعلّم الجديد وتطوير عملها والخروج من دائرة تنفيذ القطع المتوفرة في المتجر فقط، والعمل على تنفيذ باترونات خاصة بها، وتعلم فن التريكو المذهل.




error: المحتوي محمي