نسبية الصفات

الإنسان بطبعه – باستثناء المعصوم – يحمل كل الصفات البشرية؛ غير أن نسبية الصفات في الأشخاص مختلفة، بل إن نسبية الصفات في الشخص نفسه متفاوتة وقد تزيد مع العمر أو تنخفض، كما أن هذه الصفات قابلة للارتقاء والانخفاض عند كل الناس دون استثناء. من ذلك مثلًا؛ قد نجد شخصًا ما كريمًا لكن أخاه أكثر كرمًا منه، وقد نجد أن فلانًا كان كريمًا في شبابه غير أن مستوى الكرم انخفض مع الكبر أو المتغيّرات بشكل كبير.

وعليه؛ فالكرم، والطهارة، والذوق، ورقي الأسلوب، والاستقامة، والاحترام، والحب، والهدوء، والمصداقية، فضلًا عن الحقد، والحسد، والكراهية، والعصبية، والكذب، والبهتان، وغيرها صفات عامة بين الناس؛ غير أن هناك من طغت عنده الصفات الحسنة، أو جُلُّها فصار حسن الصيت، وآخر طغت عليه الصفات السلبية أو جُلّها فأصبح سيّئ الصيت.

قد يحمل الإنسان المتناقضات بحيث تطغى عنده صفات حسنة، وأخرى سيئة، ويكون موضع حيرة أو ريبة عند الكثيرين ممن حوله، فلا هو ممن كثر فيه الحُسن فحسب فيُعَدُّ حسنًا، ولا ممن طغت فيه صفات السوء فحسب فيُعدُّ سيئًا.

يعتمد ارتفاع نسبية الصفة أو انخفاضها على عوامل مهمة ومتداخلة ومعقدة أيضًا؛ فالأصالة وحسن التربية ووجود القدوة والأمان الأسري، والثقافة، والتعليم، والمحيط الخاص والعام، والزمان، والظروف، والمتغيّرات عوامل رئيسة ومحورية في تحديد مستوى نسبية الصفات بين الناس.

ولكن – وللحقيقة والتاريخ فحسب – فإن البعض ممن توفرت لديهم أحسن العوامل أخفقوا في رفع نسبية الصفات الحسنة فيه وفي مَن حوله، والعكس صحيح. وعليه؛ وفي وجهة نظري القاصرة فإن العوامل المذكورة سلفًا تلعب دورها المحوري لدى أغلب الناس، غير أن هناك عوامل – فطرية ومكتسبة – لا تقل أهمية عنها؛ كحسن التوفيق، وتهذيب النفس، وحُسن العاقبة، وتقلبات القلب، وتغيّر طرائق التفكير وأبجدياته، فضلًا عن التدين والعلمية.

وعليه؛ فلا تعجب حين تصل الصفة الجميلة عند إنسان ما إلى 99% في مرحلة ما أو حالة ما، وتراها تنخفض عند الشخص نفسه – قليلًا أو كثيرًا – في مرحلة عمرية أخرى، أو ظرف مختلف.

من هنا كان ينبغي أن يكون الحكم على الناس في موقف ما، أو تصنيفهم نابعًا من الإلمام بالحيثيات، والظروف الزمكانية، والمتغيرات، والبواعث ليكون حكمًا موضوعيًا صائبًا إلى حدٍّ ما.

ليس من السهولة بمكان الحكم على مسيرة تاريخية لإنسان من خلال موقف واحد، أو مرحلة عمرية واحدة، أو لصفة واحدة سائدة فيه.

إن الحسابات الدقيقة العادلة والبعيدة تمامًا عن الظلم أو الخطأ أو الاشتباه هي حسابات السماء، وحسابات رسل السماء من المعصومين فحسب؛ وأمًا ما عداها فقابلة للاشتباه والخطأ في كل الأحوال.

وهذا ما حيّر الكثير من علماء الرجال المعاصرين في دراساتهم التحليلية لبعض الشخصيات في عصر صدر الإسلام، والعصر الأموي، وما بعده؛ كالمختار الثقفي.



error: المحتوي محمي