رحلةُ حب طويلة أمضتها كالكثير من الأمهات الجدد بين غرف الأستديوهات في القطيف، مصطحبةً فيها صغيرتها الأولى؛ لتخلد ذكرى لحظات مشاعر الطفولة الحقيقية البريئة العذبة لتلك المدللة التي تقدّمت على الجميع في قلبها، فهنا كانت في شهرها الثالث، وفي تلك اللقطة تحبو، وهذه صورة أول أعيادها.
إلا أنها أيضًا لم تكن كالكثير من الأمهات، فبعد أن فتنها توثيق لحظات طفلتها وجدت فنية التمريض عبير علي الفرج نفسها في علاقةٍ مع الكاميرا لم تخطط لها مطلقًا.
في عام 2005 م، استعارت عبير كاميرا والدها لتصوير صغيرتها فقط تاركة لها إرثها الكبير من تلك الصور، ومع الوقت أخذت توثق بها بعض الرحلات إلى الأماكن التي كانت تسافر لها، لكنّ جمال ماتلتقطهُ عدستها دفع بأهلها والصديقات لتشجيعها في اهتمامها الجديد البعيد عن وظيفتها، فانضمت لدورة أساسيات التصوير لدى المدربة صفية البحار.
هوس
تمضي ابنة العوامية يومها في مزاولة عملها كـ فني تمريض في مركز صحي سنابس بعد تنقلها في المراكز الصحية بالقطيف كرئيس تمريض عقب عملها في مجمع الأمل للصحة النفسية، ومشرفة في قسم التوعية الصحية لمدة عام في قطاع المراكز، لكن هوس توثيق اللحظات بالتصوير لحقها بعد ولادة ابنتها الأولى، فحاولت في تلك البدايات الفوتوغرافية تجربة جميع أنواع التصوير، لتكون ملمة بها، دون ميلٍ للخصخصة التي قد تعيق المتعة في بداية طريق التعلم.
صحافة وتصوير
تخصصت الفرج لاحقاً في التصوير الصحفي وتوثيق الفعاليات المجتمعية والصحية في المنطقة، وتلك كانت أكبر إضافة لها في عملها، سواءً فعاليات صحية تابعة لمجال العمل أو مناسبات عائلية.
استهواها هذا المجال بعد ذلك وأصبحت تغطي الفعاليات والمهرجانات الصحية والمجتمعية على مستوى المنطقة، فكانت تعدّ بعض الفعاليات الصحية في المركز الصحي وتوثقها بكاميرتها، وتوسعت دائرتها إلى فعاليات القطاع بشعور السعادة الغامر لروحها؛ لنقل أغلب الفعاليات التي تقيمها إدارة المراكز الصحية بالقطيف.
امتنان
وبينَ الموهبة والدراسة التصويرية تروي الفرج تجربتها لـ«القطيف اليوم» قائلة: “ضمت صفحتي في الفيس بوك أغلب صوري الفوتوغرافية في بداياتي، وقد كانت تغطيات صحفية أتشاركها مع الأصدقاء، وفي أواخر 2017م انضممت لمعهد نيويورك للتصوير الفوتوغرافي ودرست مجال التصوير الصحفي وتخرجت بعد سنة من الدراسة”.
وتكمل: “أدينُ بكل امتنان لصحيفة «القطيف اليوم» التي كان لها الدور الأكبر في تقدمي في هذا المجال، فقد كانت تسند لي الكثير من التغطيات الفوتوغرافية لبعض الأنشطة المجتمعية في المنطقة، وكذلك المناسبات، ولا أخفيكم سرًا أن ذلك الإسناد أسعدني كثيرًا، لأنها كانت فرصة لي لتطبيق ما تعلمته ولا أزال أتعلمه لليوم”.
أزهار البصل
وعن ذاكرتها التي وثقت لها انطلاقتها الأولى في التصوير تقول: “أزهار البصل كانت أول صورة وأول انطلاقة لي في عالم التصوير شاركتُ بها في معرض همسات الفوتوغرافي، فتلك المشاركة لا تغادرُ ذاكرتي مطلقُا؛ لكونها أولى المشاركات في عالم التصوير ولعلها بداية الانطلاقة الحقيقية للخوض والمشاركة في المزيد من المعارض في المنطقة، حتى وصلتُ اليوم لعامي الخامس عشر مع التصوير”.
الكاميرا أولًا
تأتي الكاميرا في مقدمة الأدوات التي يحتاجها المصور من وجهة نظر الفرج، ولكن الإلمام بطريقة التعامل معها ومعرفة أوضاع التصوير المتاحة بها ومفاتيح العمل فيها هي الأهم، كما أنّ التجربة والتعرّف على أنواع الكاميرات قبل اقتنائها أمر ضروري حرصت عليه، وتوصي بهِ خيرًا للمبتدئين والمقبلين بكل شغف على هذا العالم، بيْد أنّ دافعها الحقيقي للإبداع وترك بصمتها الخاصة هو الحب لهذا المجال والرغبة في التعلم والتقدم والجرأة في طرح الأعمال وتقبّل النقد، وهذهِ الخلطة السرية هي السر لكل المصورين المبدعين في المنطقة وغيرها كما ترى.
أحياء قديمة
لفتت مشاهد الأحياء القديمة ومناطقها المختلفة انتباه الفرج، فآلت على كاميرتها أن تصطاد صيدها الثمين منها، فالذاكرة وحدها لن تخلّد لها تلك الصور، فأخذت بكل حب تلتقط صور الجمال في الطبيعة والمزارع، لاسيما حياة المزارعين، فالألفة مع المكان والأشخاص قبل التصوير حافزٌ مهم لها للإبداع في التقاط الصور.
هذا الاهتمام جعل زيارات المنطقة عادة محببة لها، تطاردُ فيها بكاميرتها تلك الأماكن الودودة برفقة فريقها الفوتوغرافي كشتة ابتداءً من القديح ومسورة العوامية وجزيرة تاروت وسيهات القديمة، فهذه الزاوية التصويرية تبرز هوية المجتمع القطيفي والحياة فيه.
تجارب صنعتها
أحبت الفرج الاطلاع على تجارب الآخرين في التصوير من داخل المنطقة وخارجها، فالتجارب على حد رأيها هي التي تصنعنا سواء أكنّا نحن الخائضون، أم آخرون في نفس مجالنا.
ومن الأساتذة الفوتوغرافيين الذين تلذذت بتجاربهم الفوتوغرافية من المنطقة الفنان محمد الخراري وتصويره لحياة الشارع، وكذلك الفنان حسين رضوان في حياة الشارع والتصوير الصحفي، والفنان محمد البحراني في تصوير الطبيعة، والفنانة هاجر عبدالمحسن في حياة الناس.
تفاعلٌ قلق
يخلق التفاعل الجميل من الناس مع الصور الفوتوغرافية التي تطرحها الفرج قلقًا في داخلها يجعلها تفكر مليًا فيما تطرح، وفي التخطيط الزمني لطرح المجموعة الأولى المختارة من الصور، ثمّ المجموعة الثانية وهكذا، كما يجعل منها مصورًا حقيقيًا واعيًا يحاول أن يستشير ويتقبل النقد الذي يطوره، ويقدمه خطوات كثيرة، فيتقدم ويقدّم أفضل ما لديه دون أن يتقهقر مطلقًا إلى الخلف.
معارض شخصية
أقامت الفرج معرضين شخصيين لها، كان أولهما “سحر الابتسامة وتراتيل الطفولة” في منتدى الثلاثاء في القطيف بمنزل جعفر الشايب عام 2012م وكان بوابتها الأولى للتصوير والتعريف بتجربتها فيه، ولكونها من مرضى فقر الدم المنجلي، فقد تلاه معرضها الثاني عام 2014م الذي نفذتهُ ضمن معرض”رسالة أمل” المُقام تحت مظلة إدارة المراكز الصحية بالقطيف، والمختص بإبداعات مرضى فقر الدم المنجلي من الموهوبين والفنانين والفوتوغرافيين.
مستوى محلي
شاركت الفرج كذلك في عددٍ من المعارض على المستوى المحلي والدولي ومنها؛ معرض صدى الصورة بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، ومنتدى فن الفوتوغرافي التابع لمهرجان حبيب الله الثقافي الدولي في العراق، وقد نالت فيه الجائزة التقديرية الأولى، ومعرض 100 فوتوغرافي بنسختهِ الثانية التابع لجمعية الثقافة والفنون بجدة، إضافة لمعرض ألق الفوتوغرافي السادس “إطار”.
الصور الأقرب والأصعب
ترتبط الفرج بكل صورة التقطها وكانت لها قصتها في الذاكرة أو رمزية معينة تربطها بها بمكانٍ أو شخوص، يساعدها في ذلك احترافية الكاميرا التي تستخدمها لتجميد لحظاتها المنتقاة والتي بدأتها بكاميرا نيكون D90 ثم نيكون D610 بالإضافة إلى كاميرا سوني، لكن الصور الصعبة لديها هي مجال جديد في عالم التصوير دخلته قبل عام ولا تزال تتعلمه، وتحاول التدرب عليه أكثر، وهو مجال “تصوير الأطفال”، لكنها تضع أمام ناظريها تلك الحكمة “لا صعب مع الاستمرار في الممارسة والتدريب”.
أوسمة تميز
نالت الفرج بتميز التقاطاتها العديد من الجوائز والأوسمة، فقد حصلت على المركز الأول في مسابقة آية وصورة التابعة لجامعة الملك عبد العزيز في دورتها الثالثة لعام 2014م، وحققت المركز التاسع في ذات المسابقة أيضًا
في دورتها الخامسة لعام 2016م، وفي عام 2017م تلقت جائزة ملتقى ألوان السعودية في اليوم الوطني لعام 2017م، وفي مسابقة جماعة وميض الشهرية نالت المركز الثالث تحت محور النخلة ومنتجاتها، كما استحقت شهادتي دبلوما من مسابقة آفان الدولية 2017 – 2018م.
عودة للبداية
وعن طموحها الذي يغذي موهبتها بالتصوير الفوتوغرافي ختمت الفرج حديثها قائلة: “التصوير مشهد تدركه عين المصور التي هي كعين الفنان تمامًا فتوثقه، وتستشعره عين المشاهد سواء أكان مشهدًا من حياة الناس أو الشارع أو الطبيعة أو الأشخاص، ولذلك فطموحاتي في هذا المجال كبيرة جدًا، لكنّ الآن أقصى اهتماماتي هي العودة لإكمال ما بدأته قبل عام في مجال تصوير الأطفال، الذي أعتبره مجالًا يؤكد لنا أنّنا نمرّ على العمر لكننا لا نتخطاه”.