دمعة الختام شمعة أم شماعة؟

لفتت قلبي عبارة كانت معلقة بحساب أحد رواديد الحسين وكانت تقول: “اخدم الحسين بنفسك ولا تخدم نفسك بالحسين”.

بالفعل أسرت تفكيري بمعناها البليغ، لأننا قد لا ندرك بأي كفة من كفتيها نكون، هل نحن نخدم الحسين بأنفسنا، أم نخدم أنفسنا بالحسين لكل ما ينالنا من الارتباط باسمه، أو قد نبدأ ونكون بالكفة الأولى ثم ننجرف ونهبط ونكون بالكفة الثانية.

فكلنا قد يردد ويحفظ هذا البيت من الشعر:
كل الخدم تنهان شفناها بالعين بس بكرامة تعيش خدام الحسين.

وندعو اللهم اجعلني وجيهًا بالحسين، وكم نرى من خدام جعل الله لهم وجاهة ومقامًا وكلمة لدى الناس لفنائهم بخدمة حُسينهم.

وفعلًا من يرتبط بسفينة الحسين ولو بشيء بسيط فإن كرم الحسين المضاعف لا يُخطئهم أبدًا، ويرفع الله من كان قلبه خالص النية مع الحسين.

ولكن من المؤسف إن كانت الخدمة تشوبها شائبة المصلحة وطلب الشهرة والظهور والمال وعدم الإخلاص لصاحبها بالخدمة والنصرة.

أنا لا أقصد الخوض والدخول بالنوايا، ولستُ ممن ينظر ويدقق على مسألة أجور بعض خدام الحسين مثلًا لأن إكرامهم من إكرام الحسين لهم، وقدوتنا أئمتنا الذين كانوا يُغدقون العطايا على الراثين لجدهم الحسين، لكن حين يكون الخادم هو من يطلب الأجر العالي نعم ربما تكون المجالس الحسينية مصدر رزقه الوحيد، لكن أجد فيها نوعًا من الاعتراض على بركة يد الحسين وعطائه وتحجيمها بمبالغ عالية بالمال، لكن قد تكون المثوبة أقل إذا تعاملنا مع الخدمة معاملة بيع وشراء وتكسب لا يمكن التنازل عن السعر المطروح فيها.

ومنها ظهرت فئة من الناس تشكو من هذا الأمر، وبات البعض يتهكم منه ولا أحسبهم يشكون الخادم إنما يشكون المخدوم.

ألم يقولوا لنا: “كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينًا علينا”.

من المُشين أن نلبس رداء الخدمة ونقوم بعمل ما يسيء لمن نخدم خلال خدمتنا له، وما أبرئ نفسي إن النفس أمارة بالسوء، وتكون هذه الإساءة مدعاة لهجر المجالس وكرهها وتعميم صورة الخادم غير الجيد.

بالقطع هم فئة قليلة لأن أغلب خدام الحسين يوضعون على الجرح فيبرأ، وتراهم يفضلون شرف الخدمة وبركتها على أموال الدنيا، ترى البعض يفضل الوقوف طول الوقت وتحمل كل تقلبات الجو التي يتبعها تقلبات أمزجة البشر المختلفة بقلب منشرح بخدمة حبيبهم.

أنا ربما أعجز عن وصف بعض الروحيات اللطيفة التي يمتلكها خدام الحسين والتي تُنبيك عن تربية الحسين لهم وتتلمذهم على يديه الشريفة، والتي لا تملك قبالها إلا غبطتهم والدعاء لهم لزيادة توفيقاتهم.

في هذا العام وفي كل عام واقعًا يُثبت خدام الحسين ذوبانهم في حسينهم وخلق أبواب جديدة للخدمة كلما أوصد باب في وجههم، ليثبتوا أن شمعة الحسين تتوقد كل عام ولا تنطفئ أبدًا، ويطيب لي هنا تقديم كل معاني الشكر والامتنان لهم والتي رافقتني طوال العشرة، حقيقة ووددت لو أستطيع تقديم عرابين الشكر لكل الخدام فردًا فردًا، لكن يكفي أن نعلم أن أجرهم لدى الله ورسوله أعظم.

فالحسين شمعة وقادة تشع للعالم بنورها الوضاء، لكنه ليس شماعة نعلق عليها أخطاءنا ونطلب الوساطة بجاهه فيها.

وهنا علي القول حين تنتهي عاشوراء الأولى بدفن جسد الحسين فشمعته لا تنطفئ بيوم دفنه أبدًا لنكمل حياتنا كما كنا، لأنه دفن غير كامل فلا يزال الرأس منه يطوف بالبلدان ليُريهم معاجزه التي تستوجب إكمال مسيرة عاشوراء ورسالتها الخالدة التي رُسمت بدمه الزاكي للإبقاء على دين سليم، إلى أن يعود الرأس للجسد بيوم أربعينه ليُدفن في قلوب من يواليه والذين وإن منعهم الوباء من وصاله ما زالوا يشعلون شمعة الزيارة وينادي واحدهم:

لا تطلبوا المولى الحسين بأرض شرق أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا نحوي فمشهده بقلبي



error: المحتوي محمي