في في مقالين سابقين أحدهما عنوانه «جينز الحداثة» والآخر بعنوان «مجرد تقليعات عابرة» تناولت الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر في كثير من جوانب حياتنا، يقابل ذلك تراجع في الاهتمام بالقيمة، حيث يصبح الجوهري أمرا ثانويا. وقد أشرت إلى مظاهر وتقليعات يراد بها الأناقة التي تحقق الجاذبية، ولفت الأنظار، وإثارة الإعجاب.
وإذا ما تعلق الأمر بالزي، فنحن لا نتأنق بحثا عن الحشمة أو الدفء، أو وقاية الجسم من الطقس وعوامل البيئة الخارجية، بل نتأنق بحثا عن جمال المظهر الخارجي، ولدينا مثل شائع يقول: «كُلْ ما يعجبك والبسْ ما يعجب الناس».
غير أن الصورة لا تكتمل إلا حين يتحقق الانسجام بين أناقة الخارج وحقيقة المتأنق الداخلية. وحين لا يتحقق ذلك الانسجام أو التآلف يصح على المتأنق فردا كان أم مؤسسة المثل القائل: «وجهٌ مدهونٌ وبطنٌ جائع». ويصح هذا المثل كذلك في حقل الثقافة وعالم الكتب، حيث الطباعة الفاخرة، والورق الصقيل، والإخراج المتقن، والمحتوى البائس. (توجد قواسم مشتركة بين الكتب والأشخاص، إلا أن هذه ملاحظة على الهامش).
إن الزي، كما يرى بعض المفكرين، عنوان أو رمز خارجي للنشاط الروحي، وهو الصيغة المرئية للإنسان المختبئ داخلنا. لكن المشكل هو انعدام العلاقة بين الزي وشخصية مرتديه. وفي هذه الحال قد يعكس الزيُّ المهنة والمستوى المعيشي والطبقة الاجتماعية، لكنه يظل عنوانا خارجيا، وقد يكون قناعا يخفي وراءه ما يخفي. وهو ما يدعو للسؤال عن الوجه الآخر للأناقة.
العالم، إذن، ليس شكلا أو زيا. وعندما نقول ذلك، فليست تلك دعوة للزهد أو الدروشة، وإنما هي دعوة لتحقيق التناغم، وسد الفجوة التي تتسع يوما بعد آخر بين ما هو مادي وجمالي.
يقر مصمم الأزياء الفرنسي بيير كاردان، وهو أحد صناَّع الأناقة، بأن «الأناقة وحدها لا تكفي» وهو القائل: «إذا كانت هنالك جوهرة ما فليس سوى الروح». ويقترح مصمم أزياء آخر هو إيف سانت لوران أن لا نخلط بين الأناقة والخيلاء.
ويلاحظ هنا أن كل أولئك المبدعين يؤكدون على الجزء الآخر المكمل لجمال المظهر. ومن ثم فإن إبداعات كاردان ولوران وكريستيان ديور وجيفنشي لا تستطيع تحقيق أناقة الداخل. المصمم الإيطالي جيورجيو أرماني يرى أن الأناقة لا تعني لفت نظر شخص ما، بل البقاء في ذاكرته. ولا يحقق البقاء في الذاكرة سوى أناقة المعاملة وأناقة التفكير والمنطق، وهي جميعا أشياء لا يمكن شراؤها. كل عام وأنتم بخير.