هناك كلمات بسيطة قد لا نوليها أي اهتمام ونهمش وجودها في قواميس لغاتنا وكلامنا مثل التعبير عن مشاعر الحب والمودة لمن نحب ممن حولنا ولا ندعهم يرحلون دون أن يسمعوا منا كلمة ويروا موقفًا يصف حبنا لهم، أو التعبير عن الشكر والامتنان فكلنا نحتاج لعون الآخرين لأن الله جعلنا مسخرين لبعضنا فيستحيل أن نعيش دون مساعدة بني جنسنا وكل من ساعدنا ولو بكلمة طيبة رفعت ظلال الهم ورسمت بسمة في قلوبنا هو يستحق بجدارة كلمة شكرًا من الأعماق.
كذلك من أخطأنا بحقه بكلمة أو بنظرة أو بموقف محرج هو يستحق كلمات الاعتذار والتأسف.
نحن لا نعلم ماذا تفعل كلمة أنا آسف في قلب الآخر هي تشتري سلامة خاطره الذي تكدر وانزعج وطاله مس الزعل والحُزن بسببنا، ولا بأس أن تكون مرفقة بكلمات لطيفة توحي حقًا بعرض الشراء الذي لا يهون عليه بيعه وعدم الاكتراث به إذا مانع قبول العذر.
نعم بعض الأخطاء قد لا تعمل “أنا آسف” على تصحيحها تمامًا لأن هناك أمرًا حدث ولا يمكن إعادته وتصحيح الخطأ بزمن حدوثه، وقد يبقى الأثر مغروسًا بالفؤاد بحسب قرب الشخص المخطئ وعلاقتك به.
لكن هناك نفوسًا طيبة لا تُكمل يومها وهي تودع شيئًا في خاطرها على أحد قد تعودت النسيان لكي تحيا بسلام وتكمل حياتها بصورة طبيعية.
وهناك من يُبقي كلمتك باقية ما بقي الدهر ولا يسامحك مهما قدمت من عرابين الاعتذار، وليس حديثي عنهم، إنما حديثي عمن يستطيع النسيان إذا جاءه الاعتذار الملائم.
البعض يستصعب كلمة آسف ذات الثلاثة حروف وكأنها جبل لا ينزل ويتزحزح ليُثبت خطأه بالاعتذار، لكن هذه الكلمة قد تقوم بمفعول السحر لدى بعض الشخصيات لينسوا كل ما يتعلق بموضع الخطأ الذي حدث ممن أخطأ بحقهم.
دعوني أذكر هنا خطأ قد يرتكبه الكثير منا، ألا وهو التأخر على الموعد المحدد مع مجموعة من الناس وكلما كانت المجموعة كبيرة كلما كان الخطأ مضاعفًا.
كأن يتأخر المدير عن الاجتماع بموظفيه الذين ظلوا ينتظرون وصوله، فإذا تأخر 15 دقيقة مثلًا عن مجموعة عددها 10 أشخاص فهو بذلك يكون قد تأخر بـ150 دقيقة واقعًا بالمجمل، وربما وصل ولم يعتذر ولم يشرح سبب تأخره مسبقًا، الأمر الذي يجعل الآخرين يتضجرون من تأخره وإضاعته لوقتهم.
فلنعترف أننا شعب لا يتلزم بالوقت وعلى مقولة الكثير بالعامية “عرب”، وهذا شيء مُخجل أن نُوصم به وتبقى صورة الغرب ناصعة بالالتزام بالوقت والحفاظ على النظام والأنظمة.
هناك شيء محمود من إيجابيات زمن الكورونا ولو أنها كما يقال “مُجبر أخاك لا بطل” ألا وهو الالتزام بوقت الاستماع فلو كانت الأبواب مفتوحة للمآتم طوال الوقت لما رأينا من يحضر للمأتم قبل ساعة من القراءة فقط ليحجز له مقعدًا.
ربما حين يكون لدينا موعد بالدوائر الحكومية أو موعد للسفر والطيران سنسعى لإدراك الموعد والحضور باكرًا كي لا يفوتنا لأن المواعيد لا تأتي بسهولة وقريبة، لكن مواعيدنا مع اللقاء مع الحسين وأمه متساهل فيها، فلا ضير من حضور ختام المجلس!
نعم بركة الحسين ويُمن عطائه يشملنا حتى بوصولنا لآخر الأنفاس الداعية بالفرج، لكن هو مجرد احترام يجب بذله حال السعي للحضور لمآتمه.
ربما هناك من يكون يستمع لمجلس ويأتي لمجلس الآخر متأخرًا رغبة بالثواب، لكن المصيبة فيمن يقطع المجلس الأول قبل نهايته ويأتي للمجلس الآخر على نهايته رغبة بعدم تفويت ما يُوزع فيه!
مشكلتنا أننا للآن نتعامل مع المجالس بالكم لا بالكيف، نعم الحسين يستحق منا الاستماع لصوته بأكثر من مجلس لنتعلم من دروسه، لكن كم من مجلس نستمعه كاملًا ويكون أفضل من عشرة مجالس متقطعة لا نأخذ منها أي تأثير من العَبرة والعِبرة.
ولأعود لموضوع الاعتذار يحضرني موقف حدث لي منذ أيام حيث ذهبت للاستماع لأحد المآتم لأن خطيبها يبدأ بوقت معين وكنت أريد الاستماع والعودة حيث كانت المآتم التي استمع لها تنتهي بوقت متأخر قليلًا، لأستطيع المذاكرة لاختباري بالصباح، وذهبت قبل الوقت وربما حضرت مسبقًا وكان قد تأخر الخطيب بمقدار من الوقت لم أحسبه ولكن لم يكن ذا تأثير، لكن حظي السعيد بتلك الليلة أن الخطيب لم يتأخر عشر دقائق ولا ربع ساعة بل نصف ساعة!
نصف ساعة بمقياسي تأخير كبير يفترض بهذه الحالة الإعلام بحالة التأخير، والغريب أنه لا أصحاب المأتم قدموا اعتذارهم وسبب تأخر الخطيب وكم يلزم لوصوله ليكون الانتظار أقل وطأة ولا الخطيب قد ارتقى منبره وقدم اعتذاره لهذا التأخير للحضور الذين كانوا ينتظرونه.
المشكلة حين يستنزف الانتظار جهدك وتخرج فارغًا دون أثر وتعود بخفيّ حُنين، فقط لأنك كنت تنتظر كلمة الاعتذار لتستطيع تخطي مرحلة التشتت والضجر التي وقعت فيها وتكمل مجلسًا كنت تبتغي الاستماع له بتأمل.
نعم قد ننتظر الاعتذار من الآخرين لنسامحهم على تقصيرهم في حقنا، ولكن نحن أولى هذه الأيام بتقديم الاعتذار لمولاتنا زينب (ع) على تقصيرنا معها، لا بل حتى شكوى التعب والمن ببذل الجهد وبعدها نقول لا نستطيع البكاء والصراخ لأننا مُتعبين فقد أخذت ليلة العاشر مُهجنا.
مولاتي يا زينب نحن نعتذر إن نطقنا جُمل التعب والإرهاق بعد العاشر وغاب من غاب منا بليلة الحادي عشر ويومها عن مواساتك، لأن تعبنا لا شيء يُذكر في قِبالة التعب الروحي والجسدي الذي نال منكِ بيوم العاشر وليلة الحادي عشر والذي لا يتحمله بشر على وجه البسيطة، ومع هذا قلتي مقولتك الخالدة التي رفعتي بها جسدًا مقطوع الرأس لحُسينك الغالي وقلتي اللهم تقبل منا هذا القربان دون أي كلمة توحي بالشكوى والتعب والتفجع التي لن يلومكِ فيها أحد.
لكن نحن قليلو الصبر جئنا نلوذ بعباءتكِ المحترقة مولاتي لتُفرغي علينا من صبركِ الذي يرضى من قضاء الله كل شيء ولا يشكوه ولا يهجوه عند خلقه.