هناك أمور قد تتراكم أحيانًا تحثنا على المغادرة من مقر العمل أو الدراسة أو مجموعات الصحبة وغيرها.
قد يرى البعض أن المغادرة انهزام وعدم تحمل للمسؤولية وقلة صبر وضعف، لكن أحيانًا المغادرة تكون إلزامية وضرورية للمحافظة على ما تبقى من النفس التي بين الجوانح.
أحيانًا لا ندرك أهمية المغادرة وما تسبب من أثر ربما يكون بمثابة صفعة لاستفاقة النائمين، وقد يكون الأمل الأخير إذا بُح صوتك فيه لإصلاح ما يمكن إصلاحه وتغييره.
قد يلجأ الكثير للمجاملة والسكوت عن الخطأ وتجاوزه بعيدًا عن صداع الرأس، ولا أقصد أن يكون المرء متزمتًا ورقيبًا يترقب الأخطاء والزلل لينطق، لكن بعض الأمور التي لا يختلف اثنان على كونها غير صحيحة وتنبثق بكل يوم ويتم السكوت عنها ليغدو الخطأ فيها لاحقًا أمرًا عاديًا ومستساغًا لا يؤثر أي صوت بإطفاء نار الاعتياد عليها حين كانت بدون أي اعتراض ببداية شرارتها.
قد تعلو راية وشعار “دع الخلق للخالق” ، ولكن كيف لنا بتركهم ولهم حق لدينا، فالله لم يخلقنا لنعيش ونموت لوحدنا، بل لنكون إخوانًا فيه يساعد الواحد أخاه ليتجاوز هذه القنطرة من الدنيا بسلام، لم يخلقنا لنسعى نحن فقط لجنته ولا ليكون همنا أنانيًا ولا ندعو خلقه لدخول جنته التي تكفي جميع العالمين لنبعدهم عن ناره التي أعدت للكافرين.
أعلم أن هناك أصنافًا من الناس لا يتقبلون كلمة نصح وكأنك عملت جريمة فادحة بحقه مهما كان كلامك خاصًا وليس أمام ملأ من الناس وتتحرى فيه اللطف والبُعد عن الشدة.
لكن هناك جرأة بالرد قد تصل أحيانًا لتقبل دخول النار وعدم تقبل النصح، وكأنها شيء هين يستطيع الإنسان تحمله بيوم وليلة، وهو بظروف صيفنا العادية لا يتحمل حرارة الشمس لدقائق، فكيف بحرارة نار جهنم التي لا تقاس حرارة الشمس بمدى حرارتها.
أجسادنا الضعيفة لا تتحمل حرقًا بسيطًا، فكيف بحروق تتجاوز مقاييس حروق الدنيا وألمها بمراحل لا تدركه عقولنا.
لا أريد الابتعاد، لهذا أعود لأقول قد يغادر أحدهم مجلسًا ما أو مجموعة ما لأنه يجد نفسه بلا صوت يُسمع عند نفر فيه جلسوا على مأدبة أكل لحوم الناس والتعرض لهم بالسخرية، وكانت المشاركة لذيذة ومتبادلة بينهم، فإذا لم تستطع منعهم من الأكل الأفضل والواجب يحتم عليك أما الأمر بالمعروف ورد الغيبة أو الخروج والمغادرة والنجاة، مما قد يكلفك الكثير لو جاءك الموت زائرًا بغتة، ألا تراه أصبح في يومنا يأتي بدون دق أبواب الأمراض والعلل، لا بل يقبض الأرواح بأي حالة قد لا تتوقعها أن تكون حالة وفاتك وختامك للدنيا.
فالموت لا يفرّق بين شاب أو طفل أو كهل، لا يفرّق بين سليم ومريض، وبين مشغول بأمر الدنيا أم بأمر الآخرة.
هنا أقول إمامنا الحسين غادر الحج خائفًا ولم يتبق من أيامه شيء لتمامه، ليترك فرض الحج متيتمًا، تركه لأناس يحجون ويطوفون ويكملون عبادة الحج لكن يتركون إمام زمانهم يغادر ولا يستجيبون لكلماته التي بثها بكسرة قلبه الخائف من هتك حرم الله الآمن بقتله ليقرأ مصرعه ويستنهض من له قلب حي ينبض وذاك بقوله: “من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله”.
لكن لم تكن هناك إلا بضع مهج مبذولة من أهله وعشيرته بين آلاف المهج التي كانت حاضرة الموسم.
الحسين رحل وليس الخوف فقط ممن انّدس بكل مكان ليحاول قتله حتى لو كان متعلقًا بأستار الكعبة، لا، ولكن بات الخوف مضاعفًا مع خذلان الأمة التي لم تستجب له بتلبية النصرة حتى الموت، وهو الذي ما خرج الا لإصلاحها والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها، حيث تغير من أجله مسار الحج الإبراهيمي إلى حج حسيني خالد نعيشه لهذا اليوم، وكانت أولى أضحياته هي فريضة حج بلا إمام حج فيها.
فحين نفضّل أداء الفريضة بدون إمامها، أو نخدم إمامها بدون أداء الفريضة اعتمادًا على الحب، فالمعادلة غير صحيحة.
لأن حب القلب ليس تفضلًا بل منحة منحها الله لهم تنجذب القلوب لهم تلقائيًا وليس لنا فضل فيها، ولكن نخشى أن يُقال عن هذا الحب كما قيل عن من ادعوا محبته قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
بالختام أقول؛ قد نمتلك مجموعات باسم الحسين ونتمنى أن تكون بقدر المسمى حقًا، لكنها لا تسير بمسار نصرته مهما حاولت بل تكون ذات وجهة متخبطة قد تسيء لنظام وجهة الحسين ووضوح طريقه، فلا بأس أن جاءهم إشعار “فلان غادر القروب” لينضم مع قروب الحسين وقافلته السائرة لكربلائه.