تراتيل استئذان نتلوها بصوت منخفض عند كل باب مقدس يحوي داخله هالة من أنوار الرسول وآله.
نبرة منخفضة خجلًا تناديك أأدخل يا رسول الله؟ وتخشى أن ترجع بخيبة بعدم الأذن بالدخول حين تجف العين ولا تنكسر من آيات الاستئذان ولو برقاقة من الدمع وخشوع للمكان الذي ستطأه الأقدام وهو مهبط للأملاك، فكيف لبشر مثلي أن يطأه مثلهم بدون إذن بالدخول من صاحب الرسالة الخاتمة؟
نحن البشر الغافلين المتعلقين بالمادة وقاعها قد لا نستطيع السمو والارتقاء بآداب استئذاننا لمن وُلدنا بوسام الانتماء لإسلامه، وكنا بحمد الله ضمن أمته المرحومة به وبوجود أنواره.
منظر لا يزال قابعاً بمخيلة ذاكرتي قبل زمن الكورونا حين نزور الرسول الأعظم (ص) بالمدينة وحين تفتح بوابة الدخول للروضة ترى الجميع يركض مسرعًا تاركًا أدب الوقار بالمشي إليه جانبًا ليستطيع الوصول سريعًا، إضافة لعدم المحافظة على حياء المرأة خاصة بوجود الرجال الذين يفتحون الباب، مع نسيان كل عبارات الاستئذان التي تجلل مقامه الرفيع لكي لا يتصور الشخص أنه يدخل على شخص عادي ندخل له بالكيفية التي نريدها وبالهيئة التي نقابل بها أغلب الناس وكأننا في وسط بيوتنا بدون أن نحاسب لكل كلمة وحركة تصدر منا.
قد نجد مناهج تعلمنا احترام الوالدين أو الكبير أو المعلم، ولكن لا نجد من يعلمنا كيف يكون الاحترام لمقام رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يمثل الوالد والمعلم والكبير، لا بل العظيم الذي لولاه لما خلق الله الأفلاك ولم نك شيئًا مذكورًا.
لكن هناك منصة تعليم حملت على عاتقها تعليم أيتام آل محمد على مر العصور كل تلك الآداب التي تقربنا من ساحة النور والجلال والجمال، أعني بذلك المنبر الذي يتخرج منه حتى من لا يستطيع القراءة والكتابة ولكنه يخرج بأدب المنبر وقداسة التعامل مع من هم أصل نور العلم الذي يتفجر على مراقي أدراجه.
فكم من أجدادنا وجداتنا كانوا متخرجين من المنبر وحافظين لكل ما يرتل عليه من تعاليم وقيم وأشعار ولائية خالدة علموها أبناءهم ونقلوها للأحفاد.
لكن المنبر هو أيضًا يشكو عدم الاحترام، فكثير ممن هم بحاجة لعلومه النورانية لكنهم لا يأتون ويُعرضون عن مجالس وعظه، وحتى بحضورهم أحيانًا ترى بعضهم يلهو بهاتفه أو يحادث من بجانبه ويشغله عن الاستماع لدرس حسيني تحضره الأملاك وتتبرك فيه.
للأسف كان كل شيء متاحًا لنا و كنا متنعمين بالحضور بأي مأتم أو مسجد أو حسينية يرتقي فيها الخطباء لمنبر الحسين، وماذا عن الآن؟
لن أقول إننا محرومون لأن بها جحود لأنعم الله علينا، لأن المنابر الآن ارتقت أيضًا ولم تقتصر على منابر الحسينيات والمساجد، بل تعدت لكثير من منصات التقنية الحديثة ووسائل التواصل، ولكن بات الحضور المباشر ينتخل كل عام ولعدة أسباب وكأن مصفاة تعمل عملها في تصفية المريدين.
نعم الحسرة قد تكون موجودة بالقلوب، لكن أيضًا التنازل يقف بصفها، قد نتحسر حين نذهب لأحد المآتم ونجد الباب مغلقًا لاكتفاء العدد، لكن ربما نتنازل عن الذهاب كي لا نتحسر، ولا نعلم أننا بالتنازل وعدم البحث أو عدم ضبط ساعتنا لموعد المنبر قد يفوتنا الكثير.
ومن قال إن الحسرة سيئة بقانون المشاعر، بل هي حسنة تجعلنا أقرب للدخول حتى من وراء الأبواب، فيكفينا أن نستحضر وجود الزهراء بمجالسنا التي نعتبرها مزارًا قريبًا نعزي فيه رسول الله (ص) الذي جاء له حسينه ليودعه لنتلو بدموع حسرتنا على حسرته عند كل باب لمأتم أو مسجد أو حسينية ونقول: أأدخل يا رسول الله؟ أأدخل في اليوم الثاني من محرم لمحضر وداع حُسينك عندك؟
أأدخل لأسألك هل ضممت صدره المشتاق إليك والمثقل بهم إصلاح أمتك قبل أن تضمه الخيل برضه تحت حوافرها بيوم العاشر؟!
إذا سقطت دمعتك يا من تقرأ فادخل فقد أُذن لك للدخول لمحضر نور حبيبك، ودعني أنتظر إذن صدور جواز عبوري الذي لا يمنعه أي إنسان بالوجود.