هو ليس ذاك السؤال الذي يصلنا بإحدى وسائل التواصل بمحادثات الواتساب أو الفيس بوك أو الإنستقرام ويكون من أناس مجهولين نشعر بالأسى لأجلهم حيث يستنزفون وقتهم للبحث والتعرف على الغرباء ليكونوا ضمن قائمة ضحاياهم.
وخاصة إذا كان الطلب من الجنس الآخر ويقع في شِراكه أصحاب الفراغ العاطفي وبالأخص الفتيات اللاتي يكنّ في بعض الفترات أحوج للاهتمام فإذا لم يلاقينه بالمنزل فسيبحثن عنه بمنصات التواصل بغير إدراك عن كم يستغل البعض نقطة الضعف تلك التي جعلتهنّ يستسلمن أمام الكلام المعسول بسهولة ويُكملن مشوار الحديث والتعارف ليكن بالنهاية عرضة للابتزاز والتشهير.
حديثي ليس عن هذا السؤال والتعارف من خلاله فهو أمر مفروغ من سلبيته وعدم استحبابه، لكن حديثي عن التعارف الناقص الذي نعانيه حين ننضم لمجموعة جديدة سواء كدراسة أو عمل أو تطوع أو غيره.
فقد لاحظت أن هناك من لا يحب التعريف بنفسه ويكتفي بالتعريف بالاسم الأول أو الكنية شأنه شأن من يرد حين يدق باب أحدهم ويسألونه: من بالباب؟ ويرد: أنا!
فمن أين لنا معرفة من أنت باقتصارك على الضمائر أو الاسم غير المعرف بلقبه أو الكنية اليتيمة التي قد تجد الملايين الذين يأخدون نسختها كأم علي وأم حسين وأبو محمد وأبو عبدالله وغيرهم.
ناهيك عن من يذكر الاسم ثنائيًا مربوطًا مع اسم الأب ربما دلالة على حب الأب لكن ما المانع من ذكر اسمه مع اسم اللقب؟ ليكون التعارف مقبولًا على الأقل بالتعريف بالاسم.
لا أعلم لما هذا التحفظ على الأسماء كاملة هل هو خوف أم أننا أصبحنا نحب الاختباء وراء اسم مجهول الهوية خلف هواتفنا الذكية؟
وما الذي سينقص من الشخص لو ذكر اسمه كاملًا، أليس الشخص يفخر باسمه وهو الرمز الذي يحمل كل إنجازاته ونجاحاته؟
هذه الحالة أجدها كثيرًا خاصة حين أكون بمهمة التسجيل حيث أشعر أن من يتسلم هذه المهمة عليه أن يتسول من المسجلين لتأتيه الأسماء كاملة وصحيحة.
نحن نفتقر لأساليب التعريف البسيطة ربما لا نحتاج معرفة التاريخ العائلي لكل شخص وشجرة نسبه، ولكن نحتاج بعض المعلومات التي ربما معرفتها تفضي للارتياح والقرب بوضوحها فلو كان الشخص من نفس المنطقة سيكون له مودة، وإن كان من منطقة مختلفة وبعيدة كانت له مودة مختلفة أيضًا حيث سيتخللها التعارف الجميل بين ثقافات الشعوب والدول والمناطق.
ربما يقول قائل: “إن معرفة الاسم كاملًا ومعرفة المنطقة والمكان ليست معرفة حقيقية أيضًا فما جدوى الاسم والمنطقة إذا لم نعرف حقيقة وشخصية من يملكه من الداخل؟
أقول هنا مربط فرسي بأول المحرم نحن ربما ندعي معرفة الحسين حيث نعرف اسمه ونسبه وسكنه ومثواه وخدمته وأيامه وعاشورائه لكن هل نحن حقًا نعرف الحسين ابن علي ابن ابي طالب (ع)؟
هل سنعرف الحسين حين لا نرى السواد بكل مكان ولا نسمع صدى صوته يعلو بكل الأرجاء؟ هل سنتعرف عليه بشهر حزنه هكذا دون علامات وأعلام؟
ربما تكون الصورة معتمة تشكو الصمم منا وغير متعودة، ولكن أظنها تريد أن نزيد مدى البصر والسمع لدينا لنستشعر أن الكون يبكيه بصورة مفجعة حتى لو تجرد الكون من سواده ونزعه بنو البشر فمن أول ليلة يطل بها هلاله داميًا يعكس صورة دماء قميصه الممزق الذي ترفعه الملائكة فيشجي العالمين يحل السواد والحداد لأن الدنيا أصبحت سوداء بعين كل موالٍ حيث إن الأول من محرم يُعد صورة مصغرة وTrailer فيلم مأساوي فضيع يصف ما سيجري من فاجعة بهذا الشهر.
هنا لي كلمة عند الحديث النبوي الشريف الذي دائمًا نسمعه بمثل هذه الأيام “حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا”
هذا الامتزاج يقودني لتلك الرواية التي يخاطب فيها النبي أمير المؤمنين علي (ع): “يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا” فكيف لنا بحاصل النتيجة أن قلنا إن من عرف الحسين عرف الله والرسول وأمير المؤمنين (ع).
وهنا يحل الرجاء بسؤالي ولي نعمتي أبا عبدالله الحسين (ع) حيث يحق لي التسول على بابه حين لا أستطيع القول له بعاميتنا “ممكن نتعرف؟” لأني أعلم أنه يعرفني وأنا التي لا أعرفه حق المعرفة.
لهذا أقول له بيد متسولة تمد يدها أمامك هل لي بقداسة شهرك سيدي يا حسين وعظيم مصابك بعاشورائك هذا أن تجعلني أمّس شيئًا من قبس نور معرفتك ومعرفة حقك لتجللني بطوق النجاة الذي يُدخلني الجنة والذي أناله حين أزورك عارفًا؟