الشَّاعر هادي رسول: الشّعر انصهار ذاتي والفيزياء شعرية العلم بامتياز

وصف الشَّاعر هادي رسُول الشّعر بأنه يأتي انصهارًا روحيًا، يُترجم عبر صياغة شعرية، ويتخذ من التَّجربة الذاتية متكأً للاشتغال على رؤيته الفنية.

جاء ذلك خلال استضافته في ملتقى شعراء الأحساء الذي أقيم يوم الأربعاء ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٢هـ، بعنوان “تجربة الشَّاعر هادي رسول الكتابية”، عبر موقع “إنستجرام”، وحاوره الشَّاعر عدنان المُناوس.

التَّجربة والمُتخيلة
الشَّاعر هادي رسُول الفيزيائي الذي يتلبسه الزمكان الأينشتايني، يستجيب للنداءات الغامضة على حافة الأبدية، بعيدًا عن النَّمطية السائدة في البعض من الدواوين غالبًا.

ويقول عن الماهية الأقرب لديه في الكتابة الشّعرية، إنَّ التَّجربة والمُخيلة كلاهما مُثير ومُؤثر لا يمكن الفصل بينهما، مشيرًا إلى أن التَّجربة وقود المُخيلة، والمخيلة تأتي الحامل إلى التَّجربة، لكون الأخيرة تُمثل الواقع، والمُخيلة تنقل هذا الواقع أكان خاصًا أو عامًا، فإنَّها تنقلها من واقعها الأرضي إلى الفضاء التَّخيلي.

وأضاف أن هذا النَّقل الذي تُمارسه المُخيلة على التَّجربة، هو ما نسميه الرؤية، والمُخيلة أيضًا مؤثرة على التَّجربة، فإن الإنسان يمُر في حياته بتجارب، والمُخيلة تُؤثر على صياغة هذه التَّجارب والمواقف، ولا يُمكن الفصل بينهما من فرط اتحادهما.

واستشهد بقول جورج أوريل في تعريفه للأدب، بأنَّه حوار جدلي يُحاول التَّأثير على وجهة نظر المُتلقي من خلال تسجيل التَّجربة، وقول ماكس بيكارد: “الصَّلاحية الوحيدة لإنسان اليوم، هي خبرته الذاتية”، مُعلقًا أنَّ هذه التَّجربة التي انتقلت من الواقع الحقيقي إلى الواقع التَّخيلي، تأتي نتيجة رؤية الشَّاعر من خلال العمل الشّعري الذي يُمارسه.

وتابع: “إنَّ الخبرة الذَّاتية هي التَّجربة الشَّخصية للإنسان”، مُوضحًا أنَّ الشّعر من وجهة نظره، انصهار روحي وذاتي، ليكٌون تجربة خالصة ينطلق بها إلى الفضاء العام.

يقُول في نصّه، الذي جاء بعنوان: نداء الحقيقة:
لم أعد قصيدتي وليمة للطّيور الجارحة
القصيدة التي خرجت من الكهف أولمت بي

النَّص الثقافي
أشار المُقدم إلى قول الشَّاعر والمُفكر أدونيس في مُقابلة تلفزيونية: “إنَّ الشَّاعر الكبير، هو مُثقف كبير بالضَّرورة”، وقول الشَّاعر جاسم الصّحيح: “لا يكفي الشَّاعر أن يكتب شعرًا، بل عليه أن يحمل وعيًا قبل ذلك”.

وطرح سؤالًا على هادي رسُول، مفاده: “في نداء على حافة الأبدية غوص عميق، يحكي الذاكرة الذَّاتية والعائلية والذاكرة الجمعية، وبعض من الشَّخصيات التي كان لها الأثر على روحه، متجاوزًا الكلاسيكية، ليبزغ في التَّأملات الذَّاتية، ألم ينتابك التَّردد والتَّوجس من خوض هذه التَّجربة؟”.

وأجاب أنه لم يساوره التَّردد أو التَّوجس من القفز على هذا المألوف، وقال بثقة العارف: “لم أتردد، ذهبت إلى نداء على حافة الأدبية ممتلئ بيقين الإرادة عن ماذا سأكتب وما أريد الكتابة عنه”.

وبيَّن أنَّ “المُغامرة تتطلب جرأة، وأنها سلاح ذو حدين، يجب على المُبدع أن يُغامر وللزمن هيمنته وللقارئ سلطته، كُلي ثقة حول ما كنت أود كتابته، ولا يعني ذلك غياب القلق، لأنَّ القلق لا بُد منه، لذا، فإنَّ هُناك قلقًا داخليًا حول مدى قُدرة العمل على النَّجاح، لا قلق من إرادة الكتابة”.

شعرية العلم
وأكد أنَّ الفيزياء هي شعرية العلم بامتياز، لافتًا إلى أنه في الكثير من المفاهيم الفيزيائية مُلامسة حقيقية للتَّعابير والانزياحات الشّعرية، مُشيرًا إلى قول أينشتاين: “إنَّ القدرة على التَّخيل أهم من المعرفة”.

وتطرَّق إلى مفهُوم الجاذبية عند أينشتاين في الفيزياء الحديثة، التي تجاوز بها كلاسيكية نيوتن، حيث يقُول: “الجاذبية تشوه للزمكان”، معُلّقًا أنَّ التشوه للزمكان نظرية علمية، أثبتها أينشتاين في دراسته.

وأشار إلى كتاب “نظام الزمن” لكارلو روڤيللي، الذي يُقدّم فيه شُروحات فيزيائية للزَّمن، تبدو وكأنَّها شعر، ولعلَّ غير المُختص بالفيزياء يقرأها على أنَّها نثر شعري، لا تفسيرًا علميًا للنَّظرية الفيزيائية، مُدللًا على ذلك بقول أينشتاين عن الكُتلة، وهو: “الكُتلة طاقة مُكثفة”، وقول كارلو روڤيللي: “الأشياء تسقط للأسفل، لأنَّ الزَّمن في الأسفل، يتباطأ بفعل الأرض”.

يقُول هادي رسُول: “هذا الزَّمن وهو الغامض، وكُلّما حاولت الفيزياء أن تقترب منه ازداد غُموضًا، وما الغُموض سوى الشّعر”، مُشيرًا إلى تعبيرات أينشتاين العلمية التي تُشبه الشعر، وكتاب كارلو روڤيللي “نظام الزمن”، الذي يفتتح في كُلّ فصل من فصُوله، بنص شعري، كعتبة للدّخول إلى مفاهيم فيزيائية للزَّمن.

مُحاورة المُبدعين
وتحدّث عن عدم الاقتصار على قراءة الأعمال الإبداعية للشُّعراء والأدباء، قائلًا: “اذهب إلى قراءة حواراتهم، وإن استطعت حاورهم”، مبينًا أنَّ المُحاورة هي اقتراب من مُختبر التَّجربة، مما يُتيح للمُتلقي فهم عوالمه أكثر، ويعيد صياغة الفهم لذاتك وقراءاتك الإبداعية”.

وذكر الشَّاعر والنَّاقد محمد آل قرين، المُنحدر من بلدة الجارودية بمُحافظة القطيف، أن هادي رسُول في نبوءة الطّين، يأتي ظامئًا، يبحث عن ماء اليقين، يتخذ من الأداة الشكية سكة تُفضي به إلى رجرجة من الحقيقة اللا مُتناهية في التَّكامل، لهذا يتمظهر حلاجيًا، تلك الحُجة التي يحل فيها كُلُّ هذا الوجود كُله.

واستشهد بأبياته، التي قال فيها:
ألقيت في بئر اليقين حبالي
وتجر دلو الشك كف سُؤالي
حتى إذا أمسكت دلو حقيقة
دلقت مياه التيه في ترحالي
ما كنت في ظمئي سؤالًا عابرًا
كان الوجود يفتح في أثمالي
وسلكت درب الخوف طيفًا آمنًا
قلقي سلاحي والرؤى أثمالي

وأضاف أنه من خلال هذا النَّص، وما احتواه “نبوءة الطّين”، يراه مشحونًا بالرؤى، ليذهب حتى أقاصي الأحلام، ويعود مُحملًا بها، حتى يكاد أن يكُون كائنًا حُلميًا، ويمضي مُوغلًا في دروب اللاوعي، فتظهر الحالة الشّعرية على هيئتها الفيزيائية، مُجاورة للميتافيزيقية، فإنَّه ممن يُتقن شعرنة كُلُّ ما تقع عليه الحواس عبر تفجير أعماق الينبوع الحدسي.

وبيَّن أنَّه في نبوءة الطّين، ومخط القلادة، إلى نداء على حافة الأبدية، بوصفها نصًا ذا نسيج واحد متصلًا بالظاهرة الطبيعية المختبئة في وعي الشَّاعر هادر رسًول، الشَّاعر الفيزيائي ومظهرًا جانبها الفلسفي في نص إبداعي.

وتحدَّث عن المرايا التي يختزلها “على حافة الأبدية”، بأنَّها في اتجاهين، الأول: مرايا مونولوج، مُشيرُا إلى نص مونولوجي الأبجدية:

يقُول:
العتمة مرآة الوجود التي تهبك رؤية دواخلك
واكتشاف ذاتك
وفي موضع آخر، قال:
الحُزن مرآة الذَّات إلى الذَّات

وأوضح أن المرآة المُولوجية الدَّاخلية، التي لا تتجاوز الذَّات تبزغ هُنا، كخيوط صباحات الشمس الدافئة.

وتابع: ثانيًا مرايا الدّيلوج:
يقُول:
أنسل من صوت المرايا رعشة وصدى الليالي صامت وأصمُّ

وبيَّن: “هُنا تأتي المرايا في خروج الصوت وارتداده، وكل هذا يُعد ظواهر فيزيائية”.

وفي موضع آخر، قال:
البحر مرآة وجودية تعكس جوهر الأشياء

وأوضح: “إنَّها مرآة ليست وظيفتها الانعكاس الضوئي، إنما انعكاس الرُوح اللامرئية على سطح العالم المرئي”.

وتخلل اللقاء بين دقائقه، إلقاء الشَّاعر هادي رسُول بعضًا من قصائده، مُبحرًا بالمُتلقي إلى عوالمه، ليصل بها إلى عالمه.

من يكُون؟
يُذكر أن الشَّاعر هادي رسُول من مواليد مُحافظة القطيف عام 1983م، بكالوريوس تربية، تخصص فيزياء، ومُعلم مادة الفيزياء، عضو مُؤسس لتمائم أدبية بالقطيف.

شارك في برامج إذاعية وتلفزيونية، ونشر في الصُّحف السُّعودية، وبعض الدَّوريات في المواقع العربية.

شارك في العديد من الأنشطة الأدبية في وطنه المملكة العربية السعودية، وخارج جُغرافيته.

حاصل على جوائز شعرية مُختلفة محلية ودولية، وهي:

المركز الأول في مسابقة مركز النور للثقافة و الإعلام بالسويد – فرع شعر التَّفعيلة مهرجان بغداد 2010 م.

المركز الأول في جائزة الشّيخ راشد بن حميد فرع الشّعر الحديث 2017م.

جائزة المُؤسسة الثَّقافية في مدينة سار بمملكة البحرين للشّعر العربي الفصيح عامي 2013م و 2016 م.

جائزة الجُود للشعر العربي الفصيح – العراق – 2015م.

المركز الثالث في مسابقة رئة الوحي للشّعر العربي الفصيح 2014 م في المملكة العربية السعودية.

صدر له:
“نبوءة الطّين” ديوان شعري عام 2013 م- الدَّار العربية للعلوم ناشرون.

“مخطُّ القلادة” مجموعة شعرية صوتية 2016م.

“نداءُ على حافة الأبديَّة” سرد وشعر– دار مدارك 2020م.



error: المحتوي محمي