(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة 228].
يعد الزواج بؤرة اهتمام المجتمع ككل، فالجماعات الإنسانية لا تعتبر الزواج علاقة فردية أو بيولوجية تخص الزوج والزوجة، لذا أحاطته أعرافها ونظمها وقوانينها بالقدسية والشعائر، وحرصت من خلال مؤسساتها الاجتماعية المتعددة على إنجاح العلاقة الزوجية بتوفير كل سبل استقرارها والبحث عن أسس بقائها وديمومتها.
الزواج كعلاقة إنسانية متواصلة له متطلبات متبادلة ويتأثر بعوامل التغير الاجتماعي في كل مراحله بدءًا بمرحلة الاختيار ومراحل ما بعد الزواج، وتأتي أهمية برامج الإرشاد الزواجي التي تعد المقبلين على الزواج للقيام بمهامهم والنهوض بمسؤولياتهم الزواجية، وأيضًا تعريف الأزواج المتوقع منهم في هذه العلاقة الإنسانية، والتعرف على عوامل وعناصر التوافق الزواجي والمتغيرات التي تتأثر بها العلاقة الزوجية وتعيد تشكيل الكثير من نظام التوقعات فيها، ولعل من أهم التغيرات التي طرأت على هذه العلاقة ويعتبر تغيرًا أساسيًا (ماكرو) هو ارتفاع مستوى ونسبة تعليم المرأة ومشاركتها بشكل كبير في اقتصاد الأسرة.
فالتعليم والمهنة أنتجت نموذج تفكير جديد أحدث اتجاهات جديدة لدى الزوجة في دورها الأسري أو الزواجي بالتحديد، ضمنيًا الزوجة أو المرأة بشكل عام ترى أن هناك استحقاقًا طبيعيًا للجهد الذي بذلته وأنها أصبحت عنصرًا مهمًا في عملية التنمية المجتمعية، هذا التحول المعرفي والشعور بالاستحقاق ساهم في خلق زوجة جديدة ومن الطبيعي أن تحتاج لزوج جديد يستطيع أن يستوعب هذه الزوجة الجديدة.
هذا التغيير أحدث اتجاهات متباينة ومستويات مختلفة بين الزوجات والأزواج من حيث القرب أو العبد أو البقاء أو القطيعة للنموذج الأسري التقليدي؛ فإن بعض الأزواج مازال متمسكًا بمكانة وامتيازات تقليدية مغرية بالنسبة له، هذا التباين يكتسي شيئًا من المخاطر حينما يتعلق بالموقف من السلطة تحديدًا، باعتبارها المبدأ الجوهري الذي ينظم العلاقة الزوجية وتسيير أمورها، وبغض النظر عن مستويات التباين فإن انعكاسات ذلك على مستوى الصراع أو الاستقرار والتوافق الزواجي الذي يتطلب التعمق والتتبع لنوع المشكلات التي أحدثها هذا التباين منذ بدأت المرأة تأخذ دورها الاجتماعي وتبحث عن الذات بعيدًا عن أدوارها التقليدية العابرة للثقافات.
يساعدنا الحديث حول موضوع السلطة الزوجية في ضوء المتغيرات التي أصبحت تزاحم الأعراف والتقاليد في مجال الزواج، منها المعرفية والاجتماعية التي طالت المجتمع على تفسير أزمة السلطة الزوجية وتأثيرها على العلاقة الزوجية بشكل خاص وعلى الأسرة بشكل عام، فالعلاقة الزوجية والأسرية أمام تباين وتفاوت وجهتي نظر فالبعد النسائي والارتداد الرجالي قطيعة وارتداد حيال نموذج تقليدي لا يقدم نفس الامتيازات ولا فرض نفس التضحيات.
العلاقة الزوجية حاليًا بوضع انتقالي بين نموذج تقليدي في طريقة للاختفاء من العقل الزواجي الجمعي، مخلفًا وراءه تنبؤات هنا وهناك في منظومة المعرفة الاجتماعية والشخصية، ونموذج جديد لم تكتمل صورته بعد ولم تتضح معالمه بعد ولا خصائصه مع أن بعض الآثار قد تكون واضحة في حالات عيادية أصيبت ببعض عوارضه المرهقه للعلاقة الزوجية، ليس لأنه يشكل خطرًا مفردًا، ولكن سماتنا المعرفية الجمعية ما زالت تحتفظ بالإرث التقليدي المغري للرجل أكثر من حيث بعض الامتيازات التي يهبها إياه الدور القديم، هناك مرحلة انتقالية طبيعية تمر بها الأدوار الزوجية من إعادة تنظيم الأدوار وتوزيع السلطة داخل العلاقة الزوجية تتطلب نوعًا جديدًا من التفكير الجمعي يخفف من حدة الاندفاع لدى الزوجات باتجاه الدور الجديد، وأيضًا يقلل رغبة الأزواج في البقاء في النموذج القديم، بالإضافة لذلك يحتاج الأزواج إلى مستوى معرفي يقلل من صعوبات التكيف مع الاتجاه الجديد ويساهم في التماسك الأسري ومواجهة ضغوطات الحياة والتحول نحو نموذج أسري يتميز بالاعتمادية المتبادلة والجهد المتكافئ يشعر فيه الزوج والزوجة بالإنصاف وتبرز في تفاعلاته مظاهر الفضل والإحسان والمعاشرة بالمعروف.