الإنجازات أولاً  

لقد بعث الله سبحانه وتعالى نبيّنا محمد (ص) لينقذ البشرية من الشرك وعبادة الأوثان إلى عبادة الملك الديّان ويتم الرسالة ويكمل الدين بوصيّة الولاية والتمسّك بالثّقلين الكتاب والعترة اللّذين لا ينفصلان حتى قيام الساعة والحمد لله على هذه النعمة، وكان من سبق من الأنبياء والرسل رسالتهم جميعاً تتّحد في الدعوة إلى عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت الكفر والانزلاق. قد لا نشعر أن كل ذي روح له رسالة في الحياة عليه أن ينجزها بإتقان، وهذا ما نلمس بعضه في فنّ الحنان والدروس العمليّة التي يحصل عليها الأبَوان من الرضّع والأطفال حيث الحاجة إلى الانتباه إلى أن المنفعة متبادلة.

ممّا لا شكّ فيه أنّ تعريف الإنجاز يتفاوت بين الأفراد وفق تخصّصاتهم وجهودهم ولا خلاف أن المُنجَز يحتاج إلى حركة واكتمال، وإن كان النجاح يخضع إلى عوامل أخرى خارجة عن الإرادة. وإذا كان الأجر على قدر المشقة كما جاء في الحديث فإنّ قيمة الإنجاز على قدر الفائدة الناتجة وأثرها على الفرد أو المجتمع أو الوطن، وهكذا إنجازات غير مقيّدة لا بالمرحلة الدراسية ولا الوظيفية ولا العمر. في المعتاد، يتّجه الخط الزمني للفرد بين الطفولة والشيخوخة من مرحلة التربية إلى التعلّم يتبعها مرحلة التطبيق الوظيفي والانفتاح مع موارد المعرفة حتى مرحلة تناقص الالتزامات مع الحفاظ على الهوايات لخلق بيئة جاذبة للسعادة والراحة. لا جدال أنه يوجد عوامل عديدة تتحكم في تسلسل ومدّة كل مرحلة حسب الحالة الاقتصادية والتي تسيطر كثيراً على خيارات الفرد نحو البناء التربوي والمعرفي والصحّي والوظيفي والمجتمعي، وتأثير هذه العوامل على الإنجازات الفردية والمجتمعية في كل مرحلة. عطاء الفرد والمجتمع هو ذاته عطاء وإنجاز الوطن وعندما ترتقي العطاءات إلى مستوى المبادرات والأفكار الإبداعية والاختراعات تكون الإنجازات بمستوى الإنسانية قاطبة والكون.

الإنجازات التنافسيّة تفقد بريقها متى ما غابت النزاهة عن سير إجراءاتها وغلبت المحسوبية والأهداف الخلفيّة التي تبعد المستحقّ وترفع البليد. جائزة نوبل التي طرحت نهاية القرن الثامن عشر وتوسعت مجالاتها حتى الآن نال ثلّة قليلة من علماء المسلمين والعرب شرف إدراج أسمائهم ضمن الفائزين وهذا لا يلغي احتمالية وجود علماء ومخترعين آخرين لم تتح لهم فرصة الصعود لأنهم يعيشون خارج دوائر الأضواء. أسست الجائزة بناء على وصيّة الصناعي السويدي ومخترع الديناميت الفريد نوبل. تمنح الجائزة للمبدعين في ستة مجالات هي الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام والاقتصاد. في بحث عن الجائزة نشرته مجلة سيدتي في أكتوبر 2020 ذكرت أن متوسط عمر الحائزين على جائزة نوبل في جميع فئات الجوائز هو 59، لكن الفائز الأكبر بالجائزة الأمريكي ليونيد هورويز يبلغ من العمر 90 عامًا والذي فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد في 2007، وأصغر فائزة هي الباكستانية مالالا يوسفزاي التي فازت بجائزة السلام عام 2014 عندما كانت تبلغ من العمر 17 عامًا. وأضافت أنه غالباً ما يكون هناك تأخير كبير بين قيام عالم باكتشاف جدير بجائزة نوبل وتلقيه الجائزة – يتراوح متوسط الوقت بين 20 إلى 30 عاماً – اعتماداً على فئة الجائزة وفي بعض الأحيان يكون الانتظار أطول. ويمكننا القول: إن العلماء والمخترعين في أبحاثهم وتجاربهم يسعون بتركيز للوصول إلى اكتشاف جديد مفيد دون النظر إلى حتميّة تأهّلهم لنيل الجائزة من عدمه. وكان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب الأسد من تلك الجائزة حيث حصلت عليها 336 مرة تلتها المملكة المتحدة 117 مرة ثم ألمانيا 98 مرة ففرنسا 62 مرة وخامساً السويد 32 مرة، أما عن النصيب العربي من تلك الجائزة فإن مجموع ما حصل عليه العرب هو 7 جوائز.

في عام 1999 تأسست مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة” مؤسسة وقفية غير ربحية تهدف إلى ​اكتشاف ورعاية الموهوبين والمبدعين في المجالات العلمية ذات الأولوية التنموية، وفي السنوات الأخيرة تابعنا بفخر زخم تألّقها وإنجازاتها والتنافس الشديد بين المدارس والطلّاب للحصول على مهارات وقدرات مؤهلة للانضمام إلى برامجها ومنافساتها. هذه البرامج حرّكت الكثير من النشاطات الراكدة في المدارس بمساندة المهتمّين وداعمي التفوّق والإبداع لخلق بيئة محفّزة على النهوض العلمي والمعرفي، ولا نغفل مشاركة المدارس الأهلية ببرامج ضمن النطاق التعليمي ساهمت هي الأخرى في الرقي والتطوير.

موهبة من موقعها الإلكتروني: “تتميز الخطة بالشمولية والتتابع والتركيز في رعاية الموهوبين والمبدعين في المجالات العلمية والتقنية، وتضمنت الخطة تطوير منهجية علمية لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم، حيث ​تم اكتشاف أكثر من 97 ألف موهوب من بين أكثر من 300 ألف طالب وطالبة تم اختبارهم في أكثر من 100 مدينة وقرية في المملكة. وتمثل هذه قاعدة بيانات وطنية متكاملة تحوي معلومات مفصلة عن أفضل العقول في الوطن من الموهوبين والموهوبات من كافة أنحاء المملكة. وقد آتت مشاركات موهبة ورعايتها لأكثر من 54000 طالب وطالبة ثمارها من خلال تحقيق المملكة إنجازات على المستوى الدولي في المسابقات العلمية الدولية، حيث حصل طلاب المملكة على +​​​397 ​ميدالية وجائزة في المسابقات العلمية الدولية. كما طور الطلبة أكثر من 16.000 فكرة، وحصلوا على 15 براءة اختراع، وقبل أكثر من 1000 طالب وطالبة في أفضل 50 جامعة دولية مرموقة، في تخصصات نوعية تتوافق مع احتياجات خطط التنمية الوطنية”، وكما نعلم أنه يوجد ثلّة من شباب وبنات الوطن تم تكريمهم وإطلاق أسمائهم على بعض الكويكبات السماويّة. أمام هذه الجهود والإنجازات ليس أمامنا سوى الشكر والتقدير والامتنان لكل من شارك في تأسيس وتطوير والمساندة في هذا البرنامج الوطني الهادف ونحن على يقين أن الأيدي المتفانية ستحقّق نسبًا تصاعدية لأعداد الموهوبين المنجزين في الوطن ليكون سفراؤها في كل محفل.

وفي يونيو 2008 ومن محافظة القطيف أطلق رجل الأعمال سعيد الخبّاز فكرة إنشاء جائزة القطيف للإنجاز، والجائزة رائدة في الوطن وتتزايد مجالات جوائزها عاماً بعد عام وهي مفتوحة لكل الأطياف للمشاركة والدعم والتطوّع. وفي مقال في صحيفة الرياض بتاريخ 1434/11/9هـ، يذكر الكاتب فاضل العماني تفاصيل عن الجائزة: “تأسست جائزة القطيف للإنجاز عام 2008م، وهي جائزة أهلية سنوية تقديرية تُقدم لأبناء القطيف من الجنسين ممن لم تتجاوز أعمارهم 40 عاماً، وقدموا إنجازات متميزة في مجال البحث العلمي والتقنية والاختراع وعلوم الإدارة والاقتصاد والأدب والفن والفكر والتراث، بالإضافة إلى جائزة (الناشئ المنجز). وجائزة (المنجز الدائم) التي هي عبارة عن جائزة خاصة تعطى للشباب المنجزين الذين يكون لهم إنجازات متواصلة لمدة عشر سنوات في أحد المجالات المحددة. ويُمنح كل فائز في أحد تلك المجالات جائزة نقدية قيمتها 10 آلاف ريال، إضافة إلى درع جائزة القطيف للإنجاز. ومن خلال رسالتها الواضحة لتكريم وتحفيز الشباب المنجز للمساهمة في بناء جيل مبدع، تهدف هذه الجائزة الرائدة لإبراز دور الشباب الحيوي والمساهمة في احتضانه، وكذلك إذكاء روح التنافس الشريف بين المبدعين، وتهيئة المجتمع لتبني إنجازات الشباب، ونشر ثقافة التميز والإبداع بين مختلف الأوساط والشرائح، وتطوير الممارسات الإبداعية في المجتمع.” والجدير بالذكر في عام 2018 توسّع نطاق عمل الجائزة وهي الآن تهتم بدعم وتحفيز كامل أبناء المنطقة الشرقية.

ثمّة قاسم مشترك بين المؤسسات العملاقة الثلاث وهو تقدير الموهبة والإبداع، وعلينا ألاّ نغفل عن إعداد كل عوامل التميّز طوال الخط الزمني، فمن الطفولة لابد أن نغذّي الطفل بكل المعاني ونجسّد أمامه كل المفاهيم والصور الرائدة وبما يشبع كل حواسه بمفردات التفوّق والتألّق والنجاح. المسار الأكاديمي مكمل للوظيفة وكلاهما من أدوات البحوث والدراسات التي لا يستغني عنها المخترعون والعلماء. في حياتنا علينا أن نهتم أكثر بالإنجازات وهي الترجمة الحقيقية للأهداف مع فارق القول والعمل، حيث يزين سيرنا الذاتية والحياتيّة ما أنجزت كفرد أو ضمن مجموعة وقوّة إنجازاتنا النفعيّة في مدارات التوسّع الكونيّة، وهو الأثر. لذا فمن المهم مع بداية مرحلة التمييز والإدراك للأبناء تسليط الضوء بكثافة على سبل تنمية وتوظيف المواهب من أجل الحصول على مخرجات ونتائج إبداعيّة.

كن على ثقة أن الحراك نحو اكتشاف المواهب وتشجيع المبدعين في هذه المؤسسات الوطنية وأمثالها يسارع عجلة التغيير والتطوير والمستقبل الواعد بإذن الله، والجميع مشارك في المسؤولية.



error: المحتوي محمي