حي الديرة التاريخي.. ينتظر أملاً وقبسًا  

في اللغة سمي الحي السكني حياً لأن الناس تحيا وتعيش فيه، وهم عصب الحي وليس المباني التي لها أهمية أيضًا.

انهيار عدد من المنازل نتيجة تسربات شبكة المياه في الديرة التاريخي كان هو الحدث الأبرز الأسبوع الماضي في جزيرة تاروت. كان الحدث مدوياً على مستوى الجزيرة سواء جراء ما حدث للسكان الذين اضطر بعضهم للخروج من الحي أو البقاء في منزله وسط ظروف غير مناسبة، أو ما حدث لبعض المنازل التراثية تلك التي انهارت أو التي مازالت ضمن دائرة خطر الانهيار.

سكان الحي مازالوا يمارسون الجيرة بصيغتها التقليدية التي لا تكاد تكون موجودة في باقي الأحياء، فالجيران يعرفون تفاصيل شؤون بعضهم حق المعرفة، فهم يتزاورون بشكل تلقائي دون مواعيد مسبقة أو حواجز أو حرج، فالشاب على سبيل المثال لا يجد حرجاً في تفقد أحوال جارته العجوزة بكل أريحية وتلقائية وهي أيضًا وبكل تلقائية تطلب منه ما تطلب من ابنها فبعضهن يسكن بمفردهن.

بعض سكان الحي يحرص على إحياء مناسباته الشخصية (أفراح أو أتراح) داخل هذا الحي تحديداً وليس خارجه حتى من امتلك منهم منزلاً أو أكثر خارجه. مازال يحافظ الحي على حركة مرور جيدة رغم عدم وجود محال تجارية به، هذه الحركة تأخذ أنماطاً مختلفة الكثافة بين يومي وإسبوعي وموسمي (هناك مناسبات وعادات محددة بالتاريخ الهجري سيما في شهري محرم ورمضان).

حي الديرة التاريخي يمتاز بنسيج تراثي مكون من ثلاثة عناصر متداخلة مع بعضها: الناس ونمط حياتهم ومن المباني التراثية التي يعيشون فيها، إن المحافظة على هذا النسيج هي الغاية التي يمكن الاستثمار فيها استثماراً منتجاً طويل الأجل. إن التفرقة في التعاطي بين المباني التراثية وبين الحي التراثي تساعدنا على التعرف أكثر على مصطلح النسيج التراثي، فالمباني التراثية هي أحد مكونات الحي التراثي، لذا فإن حماية المباني التراثية فقط لن تحافظ بالضرورة على الحي نفسه ونمط الحياة المميز فيه، ومن الجانب الآخر لا يوجد تعارض بين تنمية الحي بالأساليب الحديثة المعروفة وبين الحفاظ على تاريخيته والسمات التراثية التي يحتفظ بها.

نعم هناك بعض السلبيات في نمط الحياة التي تحتاج لمعالجة ذكية مناسبة، أما الاستمرار في الاعتماد على اتباع أقصر الطرق لخسارة الإرث التاريخي فهذه لم ولن تكون المعالجة المأمولة، لأنها تخلق شعورًا لدى ساكن الحي بأنه كائن هش غير مستقر في سكنه يمكن لأي ظرف أن يحكم عليه هو وجيرانه بالانتقال إلى مكان آخر أو للمجهول.

إن الاستثمار الرئيس والهدف المنشود هو في إبقاء حي الديرة التاريخي على نفس نمط الحياة المميز فيه واستمرار نشاطه كحي سكني وليس تغييره لشيء آخر كي يكون نسخة مكررة باهتة، فالمحافظة على هذا تعني أننا استطعنا أن نحافظ على سلعة سياحية مميزة وفريدة في المنطقة يمكن بناء المشاريع المساندة والداعمة لهذه العناصر. إن وجود قلعة تاروت الأثرية والمساجد القديمة والنسيج التراثي في الحي كلها هبة تفرض نفسها على واقع الحي، وبالتالي لا يحتاج أي مصمم أن ينافس أو يشوه عنصر الفرادة للحي، فالحي مأهول بالسكان وقابل للزيادة بسبب الظروف الاجتماعية التي خلقت منه خياراً مناسباً للسكن ويشهد عودة لبعضهم للسكن فيه أيضًا.

لقد بذل أهالي جزيرة تاروت قبل سنوات محاولات عدة لنقل هذه الصورة بعدة صيغ إلى فرع هيئة السياحة في المنطقة الشرقية لكن لم تكلل تلك الجهود السخية لأي صيغة مناسبة للشراكة يمكن البناء عليها بدلاً من ترك حي الديرة التاريخي بكامله دون تفريق للإهمال أو لاجتهادات غير منتجة ولا يعول عليها.

أن الانتظار الذي تمت ممارسته كخيار مؤلم للأهالي لا ينبغي الاستمرار به، فاليوم لدينا متغيرات عدة ومعطيات أكثر وضوحاً من السابق وأمامنا على مستوى المملكة نماذج ناجحة بامتيار رغم قصر المدة، فالهيئة الملكية لتطوير العلا والهيئة الملكية لتطوير الدرعية هي نماذج حية منجزة قدمت على أرض الواقع إنجازات ملموسة يمكن اقتفاء أثرها والاستفادة منها فهي أمل وقبس لحي الديرة التاريخي ولجزيرة تاروت الأم ولمحافظة القطيف والمنطقة الشرقية أيضًا.



error: المحتوي محمي