في ضيافة صحية تاروت.. جعفر العيد: الجائحة أبكمت بعض المراهقين اختياريًا.. وللمعلمين: استوصوا بهم صبرًا

استعان الاختصاصي الاجتماعي جعفر محمد العيد بمقولة العالم النفسي الاجتماعي إريك إريكسون التي يقول فيها “إنّ المراهقة هي الميلاد الجديد للإنسان”، مفسرًا كلامه بأننا نكون أمام مولود جديد -المراهق- يختلفُ كليًّا عن مرحلة الطفولة بأحاسيسه ومشاعره وعلاقاته الاجتماعية ونظرتهِ وتعاملهِ مع السلطة الأبوية والمدرسية.

وبعث الاختصاصي الاجتماعي العيد برسالته المهمة للآباء والمعلمين بضرورة الهدوء مع المراهقين في مرحلتهم العمرية الحرجة التي تمضي فيها دماؤهم لذلك التوسع العظيم في أجسامهم وعظامهم إضافة إلى خيالاتهم الواسعة وحساسيتهم المفرطة.

جاء ذلك خلال استضافتهِ لمحاضرة “نحو مراهقة خالية من الأزمات” التي نظّمتها اللجنة الصحية التابعة لجمعية تاروت الخيرية بالتعاون مع أصدقاء تعزيز الصحة النفسية على إنستغرام اللجنة، يوم الاثنين26 يوليو 2021.

مدارس السلوك
وأوضحَ العيد أنّنا بتعاملنا مع المراهقين لا يمكن أن نتخطّى المدرسة السلوكية التي من أهم أعلامها العالم بي إيف سكينر، ذلك أنّ مدارس التعليم تُعالج مشكلات الأولاد بالمدرسة السلوكية؛ لأنها تُعنى بالسلوك الذي هو استجابة لمؤثرات خارجية، وقد انتقدِت هذه المدرسة لكونها ترى أنّ السلوك يخضع لمؤثرات وليس اختيارياً.

وقال: “هناك أيضًا المدرسة الإنسانية التي مثلّها العالم الأمريكي إبراهام  ماسلو، والذي تقوم نظريته على هرم ماسلو للحاجات التي تتمثّل في الحاجات الفسيولوجية، والحاجة للأمن، والحاجة للانتماء، والحاجة للتقدير، والحاجة لتحقيق الذات”.

وتابعَ: “أضِف إلى ذلك نظرية النمو النفسي الاجتماعي التي قادها إريك إريكسون أحد طلاب مدرسة فرويد، والذي أخذ نظريتهُ من نظرية أستاذهِ فرويد وزاد عليها أنّ للإنسان حاجات ينبغي أن تتحقّق في مراحلهِ العمرية هذه، فإذا لم تتحقق فإنها ستؤدي إلى نتائج عكسية، فمنذ الولادة إلى عمر السنتين اعتبرها مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة، ومن سنتين إلى 4 سنوات مرحلة التحكم الذاتي مقابل الشك، ومن 6 إلى 12 سنة سمّاها الاجتهاد مقابل الشعور بالنقص، وخصصّ المرحلة الخامسة لتعلّم الهوية مقابل اضطرابات الهوية والتي هي فترة مهمة لتحقيق الإنسان لذاته في مرحلة المراهقة الحرجة”.

أقسام المراهقة
وعددّ أقسام المراهقة للأولاد كما صنّفها العلماء، وهي مرحلة المراهقة المبكرة التي تبدأ من تبدأ من سن 11حتى 14، والمراهقة المتوسطة التي تبدأ من الـ15 حتى الـ17، والمراهقة المتأخرة التي تبدأ بسن الـ18 حتى الـ21 في المرحلة الجامعية، في حين تبدأ مراهقة البنات من سن التاسعة لـ11 إن تأخرت بدايتها.

النمو والوراثة
وذكرَ أنّ الوراثة والبيئة يتناغمان بصورة كبيرة في مسألة النمو؛ فالوراثة لها الدور الأكبر في اكتساب الإنسان لمميزاتهِ من أبيه أو أجداده، ويأتي تأثير البيئة بعدها من غذاء مثلاً أو تعليم وغيره، ويتضح النمو الجسمي بصورةٍ واضحة للمراهق من زيادة الطول والوزن أو عدم التناسق في تفاصيل جسمه، أو ظهور حبّ الشباب عند البعض، مما يتطلّب الاهتمام الكبير  بالتعامل النفسي المتفهّم له؛ نتيجةً لحساسيتهِ المفرطة وعدم شعورهِ بالرضا عن نفسه.

النمو العقلي
وبينّ العيد أنّ الذكاء العام ينمو بصورة أبطأ نوعًا ما عن مرحلة الطفولة، على حساب التوسعات الأخرى للنمو الجسدي في العظام ومجرى الدم المتوسع في الجسم.

وأوضح أنّ الإدراك عند المراهقين يتطوّر من المستوى الحسّي للمستوى المجرّد، ويزداد اعتمادهُم على الفهم والاستدلال، والمراهق يصبحُ ميالاً دومًا لإعطاء تبريرات فيما يُطلب منه من أوامر، وكثيرًا ما يصدر أحكامًا للمجريات من حوله، وتتكوّن لديه المفاهيم المعنوية عن الخير والشر، ومهما صدرت لدى المراهق من أخطاء، فإنه يكون ميّالًا للجانب الديني رغم التباس الأمر لدى الآباء في تصرفاته، كما تتضّح في هذه المرحلة طريقتهُ في التحصيل الدراسي وكيفية استيعابهُ بصورة أفضل، ويميل لإظهار اعتنائهِ بشخصيته أكثر مما يلزم.

تطبيقات تربوية
ودعا العيد للاهتمام بالتطبيقات التربوية في رعاية المراهق بالاهتمام بالتربية الصحية من غذاء صحي ونومٍ كافٍ، وتنمية ميوله الخاصة بالمهارات الحركية، ناصحًا بإلحاقهم بدورات البلوغ للأولاد، ودورات التكليف للبنات.

وأرشدَ للطريقة الصائبة في التطبيق التربوي الصحيح فيما يخص النمو العقلي من مراعاة الفروق الفردية بين الإخوان في البيت، وبين الطلاب في المدرسة وعند المعلّمين، واختيار طريقة التدريس المناسبة لكل فصل أو مادة أو مستوى طلاب، لافتًا لنظر المعلمين بضرورة الاهتمام بالطلاب المراهقين أكثر من العام الماضي الذي أظهروا فيه الصبر الجميل في التعامل معهم، مع ضرورة تشجيع الهوايات الابتكارية وتوجيههم في نفس الوقت وفقَ القيم والأعراف الاجتماعية.

ورسمَ خريطة الوصول للجانب الاجتماعي للمراهق، حيثُ يميل المراهق لعمل العلاقات الشخصية ومشاركة الأقران في الأنشطة المختلفة والمعلومات، ويبدو تأثره أيضًا بأصدقائهِ أكثر من أبويه، مما يتطلّب من الآباء الهدوء والتقبُّل وتفهّم رغبتهِ في اللُحمة مع أصحابه.

وقال: “يتضحّ أيضًا ميل المراهق للاهتمام بمظهرهِ وأناقتهِ وفق ما يراه مما يستلزم احترام رغبتهِ هذه، ويظهر حساسية مفرطة لنقدهِ بأبسط الصور، كما يميلُ المراهق للاستقلال الاجتماعي والجدل مع الكبار واتخاذ القدوة فيمن يحبّذ الاقتداء بهِ ممّن تعجبهُ شخصيته كمعلم أو خطيب أو فنان وغيره”، مشيرًا إلى أنّ دور المعلمين والآباء ينبغي ألا يزول بالإرشاد للقدوة الحسنة، وتوضيح  المزالق والهفوات الأخلاقية التي ينبغي الحذر منها فيما يخص الأعراف أو الدين أو الوطن.

النمو الانفعالي
لم يغفلْ العيد عن الحديث عن النمو الانفعالي للمراهق، الذي يوضح لديهِ التناقض الوجداني والمزاجي، وتردد أحلام اليقظة على عقلهِ بصورة كبيرة، وشعورهِ بالقلق والاستعداد لإثبات ذاته، وعلى المعلّمين والآباء توجيههم لضبط النفسِ والسيطرةِ على انفعالاتهم وعدم إعطاء الأمور أكبر من حجمها، وحثّهم على تقوية الجانب الروحي والارتباط بالله تعالى، وتحقيق الاستقلال لهم ما أمكن.

أسئلة متفرقة
وأجابَ العيد في خاتمة المحاضرة عن الأسئلة المتفرقة التي طرحها الآباء عن المشكلات التي تواجههم مع أبنائهم المراهقين، كالتكاسل في أداء الصلاة، وتكوين الصداقات وعدمها عند البعض، والبكم الاختياري الذي يصابَ به بعض المراهقين نتيجة للانزواء في المنزل وبعدهم عن الأصدقاء في فترة الجائحة.



error: المحتوي محمي