الكعبة المشرفة ينبوع البركات

قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ}.

أراد الله جل وعلا بعد خلق الكون والكائنات ببديع صنعه وأودع في كل شيء عظيم قدرته سبحانه وتعالى، وخص كل شيء بخصائصه التي لا نصل مهما بلغنا في العلم والمعرفة إلى الدقة لهذه الخواص والخصوصيات، اختار منها الأرض وهي مقر عيش الإنسان لتكون مقراً ومكاناً لبيت مُعظم ذي شأن ومهابة ومكانة و رمزية مقدسة وحرمة يغشاه برداء الفيوضات والألطاف الإلهية، وسراً من أسرار أنوار ضياء بركاته ورحمته يملأ الأرض وأهلها بالاطمئنان والسلام يروي الأرواح، ومأوى للأفئدة وسكن للنفس، فجعله ومنذ قدم الأزل فيما عرف بأم القرى، أوبكة، أو البلد الأمين، أوالبلد الحرام.

أقام عليها الأساس الأول لبناء بيته الذي عُرف بأسماء عدة الكعبة، البيت العتيق، البيت الحرام، البيت المعمور، البيت المحرم وهو الأقدم والأعظم قداسة وقدسية والأكبر مكان تجتمع فيه الخلائق لأداء أكبر عبادة في التاريخ، وهي الحج إليه في كل عام وكذلك لأداء مناسك العمرة، ونتجه إليه قبلة أثناء الصلاة في كل يوم بأرواحنا وأبصارنا وبصائرنا وجوارحنا لنستمد ونستلهم الألطاف والعناية من الله سبحانه وتعالى، وهي من أوائل القرى التي سكنها البشر والمكان الطاهر الذي ولد عليه سيد الكائنات نبينا محمد صلى الله عليه وآله، وعند غمران الطوفان للأرض على زمن نبي الله نوح عليه السلام بالماء.

فإن أساس البيت المحرم بقيت آثاره حتى جاء نبينا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وأذن الله سبحانه وتعالى لهما برفع وإعادة البناء على الأساس الموجود ولا يعرف تاريخ وضع الأساس أو من وضعه ومنها إن الملائكة هم من وضعوه، أو الملائكة وسيدنا آدم عليه السلام، وأنه أول ما بدأ من خلق الأرض، ثم دحيت من تحته، فهو سرة الأرض ووسط الدنيا، وأنه خلق قبل الأرض.

تتجه إليه الملايين من الناس أوقات الصلوات الخمس، إنه القلب الذي يزودنا بأضخم طاقة من ألطاف الله، قال تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَىٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ ۗ}.

وبعد الهجرة العظيمة لنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم إلى طيبة الطيبة وعندما فرضت الصلاة بدءاً بتأسيس المساجد لتأكيد الدور العظيم والمهم لها، حيث أصبحت تسمى منذ أشرق الدين الإسلامي وأراد الله سبحانه وتعالى لنبيه [ص] أن يتجه إلى البيت المعظم أثناء أدائه للصلاة لاشتياقه للكعبة المشرفة وارتباطه الروحي بها وأصبحت قبلة الأرواح منذ ذلك اليوم.

وفي مدينته المنورة وبعد بنائه لمسجده النبوي الشريف وهو المكان الأساس لبدء انطلاقة النور الإسلامي الخالد في أرجاء المعمورة أصبح المقر لإدارة دولة رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث يتواجد فيه أغلب الوقت للصلاة، والتعليم، وتدريس الفقه والمبادئ والأخلاق ويجتمع بأصحابه للتشاور واتخاذ القرارات واستقبال الوافدين، ومنه انطلقت فكرة وضع مقار المؤسسات للدول على ما نراه الآن.

ويضم المسجد الشريف قبر السراج المنير نبي الرحمة والإنسانية وخاتم الأنبياء [ص] وروضة من رياض الجنة، فهو ذو منزلة شريفة وعظيمة وقدسية ويقصده الملاين بعد المسجد الحرام، ونحن نرى ما لا يحصى في أرجاء الأرض من بيوت الله سبحانه وتعالى العامرة بالمصلين المتوجهين من جميع أنحاء الأرض وجهاتها فيما يشبه صورة الشمس وأشعتها في أروع وأضخم تسلسل بشري تجاذبي بين الخالق سبحانه وتعالى والمخلوقات يتزود المصلون فيها بالطاقة الروحانية والألطاف الإلهية، حيث يشع النور والضوء والنقاء الرباني ليشمل جميع المستقبلين والمتوجهين إلى قبلة واحدة هي الكعبة المشرفة، ليشمل جميع أهل الأرض بالفيوضات الربانية المباركة يسبق ذلك نداء الأذان وهي دعوات للتوجه لملء الأرواح بطيب السلام والرحمات من أرحم الراحمين، طوبى لتلك المآذن الشاهقات وكأنها قناديل مضاءة تبعث على الراحة والسكون.

قال تعالى:{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ}.

إن لهث الإنسان وراء الماديات تجعل منه ما يشبه بالآلة ومع مرور الوقت يبدأ توازنه النفسي والعقلي والفكري بالاضطراب وتظهر عليه أعراض الأمراض النفسية والجسدية، فوضع على الأرض نهراً صافياً عذباً للتزود بالنورانية الإلهية والحصول على قبسات من رحماته جل وعلا أراد أن يلهمنا أن جميع هذه المساجد تتجه إلى ينبوع بركاته وألطافه، إنه بيت الله الحرام الذي خصه بهذه الروحانية لملء الروح بالسمو والألباب بالسكينة والسلوك بالنفس إلى دروب الفضيلة والرشد أراده أن يكون المنقذ للنفس من الانغماس في اللهو والملذات.

فسبحان من ابتدأنا بالنعم وأحاطنا بألطافه في كل حركة، ورمشة عين، وخطوة نخطوها طول حياتنا وأنجانا من الهلكات قبل أن نطلبها يا رب لك الحمد وجميل المن في جميع ألطافك كلما تغشانا برحمتك الواسعة اللهم ولك الحمد دائماً وأبداً.



error: المحتوي محمي