العصامي الذي رحل

نعم. لم يكن إنسانًا عاديًا إنه تاريخ من الكفاح، ونموذج العصامية الفريدة، إنه سعيد مرار “أبو محمد”، ويكفيه اسمه دون ألقاب.

هذا الذي ومنذ نعومة أظافره وحين كان في العاشرة من عمره تحمل مسؤولية الرجال مباشرة حين وجد نفسه متكفلًا بإعالة عائلة مكونة من سبعة أفراد؛ والدته و4 أخوات إضافة لأخويه الطفلين بعدما فقد أباه في عز شبابه ووقت حاجته إليه بعد أن توفاه الله تعالى وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنة.

فجأة وجد نفسه أمام مهمة شاقة في وقتٍ كانت فيه لقمة العيش شحيحة لولا أن السيدة الجليلة والدته رحمها الله قد أخذت بيده ووقفت معه ونذرت نفسها لتربية الأولاد الستة ودفعت بالصبي لأن يقوم بمهمة أبيه فلم يتأخر بل انتفض وغادر عالم المرح واللعب مع بقية صبية الفريچ، إلى عالم الكفاح حين بدأ عمله في مهنة البناء، واشتغل فيها بمختلف تفاصيلها بين تشييد ونجارة وطلاء وغيرها، في الوقت الذي ظهرت فيه شركة أرامكو تلك الأيام ولكنه لم يلتحق بها بل فضل أن يستمر في مهنته وهي المهنة التي برع فيها إلى أن أصبح أحد تجارها بعدما دخل سوق العمل الحر وأنشأ لاحقًا مؤسسته لبيع أدوات الكهرباء والسباكة، وأصبح من كبار تجارها.

وهي المحصلة التي أتت من خلال فترة السنين التي بين البداية والوصل لهدفه، وكانت سنوات من المشقة والجهد والعزيمة والكفاح لم تخلُ من المطبات والعراقيل حتى وصل لما هو عليه ولما هم عليه؛ معظم أبنائه الآن.

صفحة مشرقة تخللتها صفحات لا تقل إشراقًا حتى وفاته هذا اليوم.

ويكفيه أنه لما يزيد على الأربعين سنة كان ملتزمًا بالقراءة الحسينية أسبوعيًا فضلًا عن مناسبات آل البيت عليهم السلام، هذه العادة التي لم تنقطع حين انتقل لحي الناصرة، الحي الذي أصبح بسبب سكنه فيه يضج بالحركة، ولا أبالغ إن قلت إن الحارة التي نسكنها بالحي وأنا جاره المقابل لمنزله تمامًا قد أصبحت مركز حي الناصرة فهي أكثر وأول منطقة يكتظ فيها السكان فضلًا عن توفر المتطلبات الرئيسية التي يحتاجونها ففيها المسجد والبقالات ومغاسل الملابس واكتمال المباني فيها قبل غيرها نسبيًا والأهم من ذلك كله هو مجلسه المبارك والذي انتقل بنشاطه وحيويته من القديح إلى منطقة الناصرة، وقد أصبح قبلة الزوار ومن مختلف ومختلط أهل بلدات القطيف والذين تجاورا في الأحياء الجديدة وتعارفوا وتحابوا، ولم يكن هذا فقط، بل حتى المرحومة حرمه أم محمد رحمة الله عليها شاطرته المهمة فقد كان لها مجلسها الذي تقيم فيه “العزية” وتجتمع فيه نساء الحارة بل حارات الناصرة كلها، وحين توفيت خفت الوهج وهو اليوم ينطفئ تمامًا بغياب العزيز الكبير الوالد أبو محمد مرار هذا الذي لم يحتح لأحد طوال حياته حتى إنه يقود سيارته بنفسه وهو الذي جاوز الثمانين من عمره ولم ينقطع عن القيادة إلا مع نزول هذا البلاء بنا؛ الكورونا مما أقعده في المنزل وتأثرت صحته حتى وافاه الأجل المحتوم.

رحمك الله يا شيخ الرجال، كم سنفتقدك، ونفتقد صوت الأذان وأنت تصدح به كل يوم جمعة بصوتك الحنون ودعاءك الأبوي للمؤمنين بالصحة والعافية وطول العمر. رحمك الله رحمة واسعة وغفر الله لك ورضي عنك وأرضاك.



error: المحتوي محمي