هذا أجمل ما أراه مناسباً لشخصها يا من حملت رسالة القرآن على عاتقها علمًا وتعلمًا، هي تلك رفيقة درب الـ٤ اعوام دراسية خلت ذهاباً وإياباً في فناء الجامعة، جمعتنا الصدفة حينها واستمرت تلك الرفقة.
كانت نصوحة ورسول حق وناصحة أمينة وإن اختلف الأسلوب وتقبل الآخر، إلا أنها أدت رسالة السماء (ماريا مغيزل) ذات الخلق الرفيع والوجه الباسم والشخصية المتواضعة الإيمانية والملتزمة بما جاء في كتابه وسنته قلبًا وقالبًا وربت بناتها وابنها كذلك على ذلك النهج، والزوجة المؤدية واجباتها.
هذا ما علمته عنها فترة معرفتي بها، وأمنيتي الآن لو أن الله أمد في عمرها لاستقيت من معين معرفتها، حيث أستحضر في ذاكرتي الآن مواقف وصوراً كانت دائمة التوجيه فيها لحظتها لم أكن أدرك قيمتها والآن أمنية شائق يتمنى ولكن فات الأوان، فتلك الروح التحقت ببارئها لتنعم في جنات النعيم جزاء عطائها لكل من حولها.
وأعطتنا درسًا حينها أن نستثمر علم كل من حولنا ولا ننقص من قدر أحد، هذا ما أراه من أثر تركته في نفسي.
وبالنسبة لي كانت شخصية فريدة من نوعها في تحيتها، في بشاشة وجهها، في لبسها المتواضع المحتشم، في تواصلها الاجتماعي، والأهم من ذلك في تبليغ ما لديها من علم وإبداء النصح لمن حولها، فها هي رسول الحق والناصح تشد رحالها دون سابق إنذار إلى لقاء من عشقته وآمنت به بقلب إيماني حق.
وتركت لي أثراً وذكراً حسناً يكون لها شفيع وذخر في آخرتها أذكرها به في كل فريضة، وألقي على روحها فاتحة الكتاب من خلال تصحيح وتدقيق إملائي قدمته لي أثناء تأدية دورة الصلاة للناشئات، فكانت ابنتها إحدى الملتحقات بالدورة فشكر الله سعيها وجعله ذخراً ونوراً لها في عالمها ومسكنها الجديد.
(ماري) في أيامها الأخيرة أنهتها معي بالتواصل المستمر بشتى أنواعه على غير عادة بقية الأيام الماضية حتى تترك أثراً لذكرها لا ينسى مدى ما حييت، فهم كذلك ذات الأرواح التي لا تموت تخلد في الدنيا والآخرة، وبعدها تودعنا، وها هي ودعتني وودعتها وداعاً أخيراً كان بلقاء قصير وارتسم ذاك اللقاء في مخيلتي ولن أنساه وهي تلوح بكفها وتلقي علي عبارات السلام بابتسامة وبشاشة كما اعتدت منها قائلة: “في أمان الله”.
كان للموت موعد يخبرنا هذا آخر اللقاء ولم نعلم حينها، فرسول الموت يأتي على حين غفلة، فوداعًا يا رفيقة السنين الدراسية، وداعًا يا ذات الخلق النبيل، وذات الروح الإيمانية والوجه البشوش.
وداعاً أيتها النفس المطمئنة، يا من رجعت لربها راضية مرضية بإذنه تعالى، نامي قريرة العين مستقرة بلقاء الله ورضاه، وسلام لروحك دائماً والفاتحة تنير عالمك.
روح تألمت لنبأ رحيلك.