نقف اليوم مع شاعر ولائي فقدته القديح بالأمس ألا وهو خادم أهل البيت عليهم السلام الشاعر الحاج (سعيد بن عبدالله بن الملا زين الزين) رحمه الله.
لقد شكل رحيل فقيدنا السعيد خسارة كبيرة في الوسط الأدبي في القديح وخاصة الشعر الشعبي.. فقد كان شاعرًا رزقه الله موهبة الشعر بالرغم من أنه لم يواصل دراسته لانشغاله بالأمور المعيشية وله الكثير من القصائد في العديد من المناسبات إلا أن أكثر ما يمتاز به شعره الذي نظمه في أهل البيت عليهم السلام وفي مصائبهم بالخصوص.
ولقد كان ينظم الشعر منذ صغره حيث كان يشارك في الاحتفالات التي كانت تقام في القديح في مناسبات مواليد أهل البيت عليهم السلام وغيرها من المناسبات ألتاريخية، فكان مولعًا بالأدب وخاصة الشعر الشعبي وتميز بسرعة النظم وبرهافة الحس وكان يحفظ أشعارًا كثيرة مما ساعده على نظم الشعر بشكل سريع.
وقد كان فقيدنا مخلصًا في ولائه وصادقًا في انتمائه ومكثرًا في إنشائه وفي نفس الوقت صابرًا على بلائه فقد كانت له معاناة كبيرة مع مرض السكلسل وكم كان يكابد من آلام ممضة ونوبات مبرِّحة جراء هذا المرض. وقد عبر عن ذلك في إحدى قصائده الأخيرة بعنوان (الصبر جميل) وكان الغرض منها تسلية سماحة الشيخ عبدالعظيم الشيخ حفظه الله مما أصابه واثنين من أولاده من هذا المرض. يقول فيها:
داء السكلسل بي نشب مخلابه
الله يعين اللي نشب بأحبابه
أولاد عندي اثنين مثل أولادك
اعلى حين غرة أبهم يشن احرابه
نوباته مثل الجمر تلوي الأضلاع
نار السكلسل في الچبد لهابه
يعين ربي المبتلي بهذا الداء
والفرج عنده والدوا في كتابه
الله يمن اعلى جميع المرضى
بالشفا العاجل بالنبي وأحبابه
يا شيخ اصبر والصبر به ثنتين
الصبر جميل وفي الآخرة ثوابه
إلى آخر القصيدة
وفقيدنا الراحل شاعر يطغى على شعره الأنين والشكوى ويتميز بطابع اللوعة والحزن والأسى ويعبر عن ذلك في معظم قصائده. ويعلن فيه عن ولائه الصادق للنبي وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وتمسكه بنهجهم ومبادئهم ويحث الناس على التمسك بها وإخلاص العقيدة فيهم. ويذوب حسرات على ما جرى عليهم من مصائب يرسلها نفثات حرى من صدره المكلوم. ويبثها حرقات حزينة من جواه المألوم. ويطلقها زفرات مشحونة بالغموم والهموم تحسرًا على مصاب الحسين المظلوم وأهل البيت عليهم السلام.
هناك جوانب خفية من حياة المرحوم لا يعرفها إلا المقربون منه تدل على عصاميته واعتماده على نفسه في تأمين قوته وقوت عياله بالرغم من قساوة الحياة وصعوبة الظروف المعيشية التي عايشها ولكن قابلها بصبره وأناته حامدًا شاكرًا لله على ما أنعم عليه من نعم وفواضل. لقد كان رجلًا مكافحًا منذ صغره فكان يكدح لتأمين لقمة العيش له ولأسرته مما جعله يتنقل من عمل لآخر وخاض غمار الأعمال الصعبة التي تحتاج لقوة في البدن وسلامة من الأمراض وقد تقلب في أكثر من مهنة منها البناء وصيد الأسماك وبيع الأسماك والخضراوات. كما أنه مارس أعمال الكهرباء والسباكة بالإضافة إلى نسج وخياطة شباك صيد الأسماك والربيان. وكان يتقن أكثر مهن البناء من حدادة وسباكة ونجارة وصف الطابوق وغيرها.
وكان المرحوم يتميز بالأخلاق الحسنة والتواضع والنباهة وحسن المعاشرة مع الناس والهدوء بحيث تجده في أكثر الأحيان صامتًا متفكرًا وقد أنعم الله عليه بالموهبة الشعرية كما أسلفنا ولكنه وجهها وسخرها لخدمة المنبر الحسيني فكان شاعرًا صادق الولاء نقي السريرة مشبوب العاطفة يمتلئ حماسة وغيرة على الدين وكان في شعره ناقدًا للمظاهر السلبية في المجتمع وقلما تخلو قصائده من هذا المعنى.
لذلك كان فقد المرحوم الحاج سعيد خسارة للوسط الأدبي في القديح. تغمده الله بواسع رحمته وعرف بينه وبين مواليه محمد وآله الطاهرين عليهم السلام أجمعين الذين خدمهم جل حياته بلسانه وقلمه وبيانه وشعره. ورحم الله من يقرأ الفاتحة لروحه ولأسلافه من المؤمنين والمؤمنات.