كنت ومازلت وسأبقى أتساءل دائماً: ما الذي يدفع مئات الملايين من البشر، لاسيما الأجيال الصغيرة والشابة، لإدمان مواقع ومنصات ووسائط التواصل الاجتماعي وعلى رأسها اليوتيوب وسناب شات وإنستغرام وتويتر؟. سؤال عريض ومعقد كهذا، لا يمكن الإجابة عليه بمقال هنا أو تقرير هناك، ولكنه يحتاج إلى دراسات معمقة وأبحاث متخصصة، فمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومستوياتها لم تعد مجرد صدى وصورة لفكر ومزاج المستخدمين بمختلف أعمارهم وبيئاتهم، ولكن الأمر تجاوز كل ذلك بكثير، فهي الآن – بل ومنذ عقدين تقريباً – تُمارس التأثير والتوجيه في الكثير من ملامح وتفاصيل حياتنا الحديثة.
هناك الكثير من الأسباب والتداعيات التي أغرت وجذبت الأجيال والتعبيرات للارتماء في أحضان هذه المواقع والوسائط، أسباب إنسانية واجتماعية واقتصادية وإعلامية وترفيهية، ولكن ثمة مغريات ومحفزات محددة أجدها أكثر أهمية وجذباً، تتمحور وتتكثف حول “ظاهرة النجومية” التي يبحث عنها الإنسان، ليس الآن فقط ولكن منذ أن اكتشف أهميتها ومكانتها، ومنذ أن تحوّلت لمقياس لقيمة ومستوى الإنسان في الحياة.
البشر بطبيعتهم ميالون للأضواء والشهرة، تلك ظاهرة صحية لا خلاف حولها، ولكن المشكلة تكمن دائماً في طريقة الوصول إلى تلك الضفة الباذخة والمغرية. في الظروف والعصور السابقة، كانت المهمة صعبة ومعقدة، وتتطلب الكثير من الأدوات والقدرات والإمكانات، وتحتاج للكثير من الخبرات والتجارب والممارسات. وكانت الثقافة والأدب والفن والإعلام وغيرها من الواجهات والمجالات هي من تصنع نجومية وجاذبية الطامحين والطامعين، ولم تكن دروب النجومية والشهرة سهلة وميسرة، بل على العكس تماماً، كانت طويلة وحافلة، بل وشاقة ومضنية.
الآن، يبدو أن قواعد “اللعبة” قد تغيرت كثيراً، وأصبح الوصول لعالم الأضواء والشهرة والنجومية لا يحتاج إلى كل ذلك التعب والجهد والوقت، بل إلى مجرد ضغطة زر لا أكثر.
طفلة في السابعة من عمرها أو شاب يرتدي ملابس غريبة أو ستيني يتحدث بطريقة مضحكة، هؤلاء وغيرهم من “صنّاع المحتوى” الجديد هم نجوم ومشاهير وترند المجتمع الحديث.
ليس من حق أحد أو جهة أن تمنع الطامحين والطامعين في النجومية والشهرة، ولكن الأمر تحوّل إلى حالة من الفوضى والخطورة، وأصبح يحتاج إلى قوانين ولوائح لتنظيم ومراقبة هذا “العالم الافتراضي” الذي قد يُهدد ويُدمر حياتنا الواقعية.
المصدر: صحيفة الرياض