أحرم الحجّاجُ عن لذَّاتهم بعضَ الشّهور – معلقة الدمستاني

لا أظنّ أن أحدًا من الجيلِ القديم – ولربَّما الحاضر – يسمع شطرَ بيت الشّعر: أحرمَ الحجَّاجُ عن لذَّاتهم بعضَ الشّهور، إلا ودون إرادة يرد بشطرهِ الثاني: وأنا المحـرمُ عـن لذَّاته كـلَّ الدهور. ولا يسمع: ضُمَّني عندكَ يا جدَّاهُ فـي هذا الضَّريح، إلا وبكلِّ عفويَّة وغزارةِ دمع يسمع الشَّطر الثاني: علَّني يا جدُّ من بلوى زماني أستريح.

كيف لا؟ وهذه القصيدة تكاد تكون معلقة، بل هي أشهر من كلِّ معلقة في قلوبِ الكثير من سكَّان العراق والقطيف والأحساء والبحرين، وترتفع أسهم هذه المعلقة من الحفظِ والتكرار منذ اليوم الثَّامن من ذي الحجة، يوم التروية، يوم خروج الإمام الحسين عليه السَّلام من مكَّة إلى أرضِ كربلاء سنة ٦٠ هجرية ثم شهادته في شهرِ محرَّم سنة ٦١ هجريَّة فيها.

عملٌ واحد يجعل من شخصٍ علمًا في التاريخ، وإن كان الشيخ الدمستاني له أعلامٌ أخرى ترفرف به في فضاءِ الذكريات والمناقب، إلا أنَّ هذه الملحمة دخلت قلوبَ النَّاس واختلطت بذاكرةِ الأجيال، جيلًا بعد جيل! “ما كان لله ينمو”، فعلى ما يبدو؛ ادَّخر الدمستاني الذي كانت هيئته هيئة الفقير الذي يعمل بيده، ويتعيش بعرق جبينه، ويحصل على الكفاف من قوته اليومي لله فنما في قلوبِ النَّاس حبًّا وفي ميزانِ أعماله أجرًا وفيرًا، طوبى وحسن عقبى له ولأمثاله.

هذا الشيخ الجليل – الدمستاني – المولود في البحرين شرفت به بلدةُ القطيف حين توفي فيها ودُفن في المقبرة المعروفة؛ “الحباكة” يوم الأربعاء الثَّالث والعشرين من شهر ربيع سنة ١١٨١هـ يستحق أن يقرأ له سورةَ الفاتحة ويدعو له كل من يقترب من قبره، فهو الذي لم يكتب شعرًا في غيرِ الحسين عليه السلام وأهل البيت كما ينقل في سيرته، حيث كان مقياس جودة الدَّمعِ عنده أن يكون مسفوحًا في الحسينِ عليه السَّلام: ولا يسيل لهم دمعٌ على بشرٍ **** إلا على معشرٍ في كربلا نزلوا



error: المحتوي محمي