الحج: آدابٌ وتُرُوك

في أدبيات الحج والعمرة تتردد مفردتا “الآداب” و”تُرُوك الإحرام”. وبما أن أيّ مصطلح يحمل مفهومًا أو عدة مفاهيم لتنظيم المعارف والسلوك الأدائي للأفراد والجماعات، هذه مقالة مختصرة عن هذين المصطلحين في مناسك الحج والعمرة. وقبل ذلك، من المهم المرور، ولو سريعًا مختصرًا، على مفردة الحج للفائدة.

الحج: تعريفًا وأنواعًا
الحَجّ: في اللغة هو القصد إلى الشيء، وقيل قصد الشيء المعظم، ويطلق على الزيارة: حججت بيت المقدس: أي زرته. وفعله حج يحج فهو حاجّ وهي حاجَّة، والجمع حُجَّاج وحجيج، وقيل حجيج بمعنى ضيوف الرحمن، وفي العرف الفقهي هم ضيوف الله ونزلاؤه في بيته الحرام. واصطلاحًا: الحج هو قصد البيت الحرام، للتقرُّب إلى الله تعالى بأفعال مخصوصة، في زمان مخصوص، ومكان مخصوص.

الحج: أصالةً أو نيابةً
والحج إمَّا أن يكون بالأصالة، أي أن المكلف يقوم بأداء الحج، وإن وفر له الغير الاستطاعة، ويسمى “الحج البذلي”، وهو أن يقول أحد لمن لا يملك الزاد والراحلة للحج: ”أَنَا أَبْذُلُ لَكَ نَفَقَتَكَ وَنَفَقَةَ عِيَالِكَ مَادُمْتَ في الحَج“، فإن حج فهو حج بذلي، ويكفيه عن حجة الإسلام، ولا تجب مرة أخرى إن توفر في حجِّه شروط الحج الصَّحيح[1]. أو يكون الحج بالإنابة، ويسمى “حج الاستنابة” و”الحج النيابي”، وهو الحج عن الغير، كالولد الأكبر تبرعًا عن أبيه، أو بالإجارة. وهو إمَّا: “بلدي”، أي من البلد (بلد المنوب عنه) أو “ميقاتي”، أي من أحد مواقيت الحج الشرعية.

الحج: مفروضًا أو مندوبًا
الحَج المفروض: حج الإسلام، والحج المعاد لبطلان الحج السابق، وما وجب بنذر وشبهه وغير ذلك. ويقابله الحج النفل، أي ما كان زيادة، والنفل ما ليس واجبًا، أي هو مستحب، وهو يرادف السُّنَّة.
الحج المندوب: ما كان غير مفروض، أي حج التطوع، ويقابله الحج المفروض، وما كان أول مرة من المفروض يسمى “حج الصرورة”[2].

الحج والحَجَّات
الحَجَّات جمع الحَجَّة، وهي المرة الواحدة من الحج، ومن أنواعها:
حَجَّة الإسلام: الحج الذي فرضه الله على المسلمين، وهو مرة واحدة في عمر المسلم المكلَّف مع توفر الشرائط.
الحَجَّة البلدية: يقصد بها الحجة التي يستأجر لها النائب من البلد في حج الاستنابة.
حَجَّة العقوبة: الحجة المعادة بسبب خلل أو فساد في سابقتها.
الحَجَّة المبتولة: الحَجَّة المقطوعة، التي لم تتم لسببٍ ما.
الحَجَّة الميقاتية: يقصد بها الحجة التي يستأجر النائب لها من الميقات في حج الاستنابة.

آداب الحج
آداب جمع أدب، وهي أعراف ليست لها قوة الشرع أو القانون، لكنها تساهم في سلاسة وانتظام حياة الناس بما هم مجتمع، وتعكس الذوق العام واللياقة فيه، وتعرف بالآداب العامة. كما تعرف على أنها: قواعد متبّعة في مجال أو سلوك معين، أو أنها: أمور يفضل مراعاتها أو الإتيان بها عند الشروع أو القيام بأعمال معينة.
إصطلاحًا، أي في العرف الفقهي، هي مستحبات ومكروهات الأعمال «التعبدية والتوصلية»، كآداب الصلاة، وآداب صلاة الجماعة، وآداب تشييع الميت، وآداب السفر، وآداب عيادة المريض، وآداب الأكل، وآداب الجماع، وغيرها، ومنها آداب الحج[3]. و”آداب الحج“ في عرف الفقهاء يراد بها كل ما يرتقي لتحصيل معنى عبادة الحج التي شرعت من أجله، فتشمل مستحبات ومكروهات في الحج وأعماله. وممكن أن نقسم آداب الحج إلى قسمين: عام وخاص.
آداب الحج العامة
وتشمل: تطهير المال (للحج)، الدعاء عند الخروج (للحج)، التصدق وشراء الهدية، البدء بمكة، الختم بالمدينة، التعجيل بالرجوع (إلى البلد)، وداع البيت الحرام، إشراك الغير في ثواب الحج، حُسْن الخلق، وإعانة الأصحاب، وغير ذلك.
آداب الحج الخاصة
وهي تشمل مستحبات ومكروهات مكونات الحج وأعماله، وتذكرها كتب المناسك والفقه والرسائل العملية ببعض الاختلافات في الترتيب والعبارة، لكنها متفقة على الآداب التالية:
آداب الإحرام، آداب دخول مكة، آداب دخول الحرم، آداب الطواف، آداب صلاة الطواف، آداب السعي، آداب الإحرام إلى الوقوف بعرفات، آداب الوقوف بعرفة، آداب الوقوف في مزدلفة، آداب رمي الجمرات، آداب الحلق، آداب الهدي، طواف الحج والسعي، وآداب منى، وآداب مكة المعظمة[4] .

تُرُوك الحج
الآداب تختلف عن التَّروك، التي هي من التَّرك، والتَّرك -لغةً- الطَّرح أو التَّخلية والدَّعَة، أي إهمال الشيء ومفارقة ما يكون العبد فيه، وإمَّا تركُه الشيءَ رغبةً عنه من غير الدخول فيه.
والنواهيَ من باب التروك، عند الفقهاء، إذ يطلقون أفعال التروك على ما نُهي عن فعله. فإنَّ المكلَّف يخرج من عهدة النهي بتركه وعدم القصد إليه وإن لم يشعر. والشرع أوامرٌ ونواهٍ، وبترك النواهي يخرج الإنسان عن عهدتها وإن لم يشعر بها فضلاً عن القصد إليها[5].
إذًا المراد بـ “التروك” المتروكات، أي «المناهي»، وهي كل ما يجب على المكلف عدم فعلها، على سبيل المثال، أثناء الحج والصَّلاة، والحيض والنّفاس. فالتُّرُوك العباديَّة: هي الأمور التي يجب تركها أثناء العبادة، كالضَّحك وباقي المنافيات للصلاة التي يجب تركها أثناء الصَّلاة، وكالأكل والارتماس في الماء ونحوهما من المفطرات التي يجب تركها أثناء الصوم. وما يجب أن تتركه الحائض أثناء حيضها والنفساء أثناء نفاسها يسمى ”تُرُوك الحائض“ و”تُرُوك النفساء“، على التوالي. أمَّا في الحج فالمصطلح المتدوال هو ”تُرُوك الإحرام“ وهي كل ما لا يجوز للمحرم أن يفعله أو يأتي به، مثل الجماع، والصيد، والتطيب، وغيرها[6].

وفي الختام، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل حَجَّ مَنْ حَجَّ هذا العام وكل عام وأن يكون حجُّهم حجًّا مبرورًا. والحَج المبرور هو الذي وفيت أحكامه، ووقع على الوجه الأكمل، فلم يخالطه إثم ولا مفسدة، فالحج ليس فقط واجبات بل أيضًا “آداب وتُرُوك”.


الهوامش

[1] الحج بأي واسطة ولو مع عدم حصول الاستطاعة الشرعية، خاصة الزاد والراحلة، يسمى “حج تسكُّع”.

[2] والحج أيضًا إمّا إفرادًا أو تمتعًا. حج الإفراد: هو فرض مَنْ يبعد مسكنه عن مكة أقل من 48 ميلًا «78 كيلو مترًا»، وهو يتكون من أعمال الحج فقط بعد الإحرام من أحد المواقيت، وبعد أن يأتي الحاج بأعمال يوم العيد يرمي جمرة العقبة ويُقصِّر «أو يحلق»، ولا يجب فيه الهدي. حج التَّمتع: الإتيان بعمرة تمتع في أشهر الحج، ثم التحلل منها، ثم الإتيان بالحج بعد الإحرام له من مكة، وهو فرض مَنْ يبعد مسكنه عن المسجد الحرام ب 78 كيلو مترًا.

[3] اُنظر: معجم ألفاظ الفقه الجعفري، أحمد فتح الله، دار المرتضى، لبنان – بيروت، 2017، الطبعة الثانية.

[4]  اُنظر، على سبيل المثال: ”مناسك الحج وملحقاتها“ «الطبعة الجديدة»، للمرجع السيد علي السيستاني، على الرابط التالي:
https://www.sistani.org/arabic/book/14/3567/

[5] يوجد خلاف بين الأصوليين في ما كان “التَّرك” فعلًا، أو ليس بفعل.

[6] اُنظر: معجم ألفاظ الفقه الجعفري: تُرُوك».



error: المحتوي محمي