تَأَمُّلاتٌ خُمَاسِيَّةٌ فِي الحُبِ “1”

1. يَعتقدُ البَعضُ مِنا أََنَّ مًصطَلَح ‘الحُب’ هُو مُجَرد كَلمَة عَرَضِية مُؤقتَة، نَمضِي أََحلَى الأَوقَات، ونَستمتِع بأعذب اللقَاءات، فَوق بِسَاطِها الأََبيَضِ النقِي- بتَحَفُطٍ وكِتمانٍ- ولا أُُخفَي فَيضَ مَشاعِري المُتأجِجَة الجَياشَة لَحظَةً، فَقد رَأيتُها ‘مُتبرجَة’ فِي سَحنَتِها المُحتَشِمَة -بقِلة حُروفِها المُتواضِعة، وسُطُوع جَذبِها الرابَط – في مُستَهلِّ سَنوات الصِّبا، وأَرَاها اليَوم قَائمَةً مَاثِلَةً، فِي مُلتَقى سَنوات شَيخُوخَتِي الراهُنَة، كَقصرٍ مَشِيدٍ، لا أُغَادِره سَاعَة إِلى لِجَلب طَردٍ جَديدٍ وليدٍ مِنَ السعَادة الدائِمة إلى دَاخِله؛ لأتَقَاسَمَه بتَسِاوٍ مُماثِل، وقِسمَة مُّقَننَة في حَضرة هَدْأَة ‘الحَبيب’ الوَادِعة!

2. ويَعتقدُ البَعضُ الآخَر مِنا- في لَحظَة مَوقِع العِشقِ، وامتِداد سَاعة الوَلَه- بِأّنَّ جَذبَ ‘الرومَانسِية’ لا يَتَعدَّى بَريقُه بُرهَةً زَمَنِيةً مُحددَة، وَقتَمَا يَألف الحَبيب الأََرِيب بالقُرب مِمَّن يُشاطِرَه انتِهاج دَورة الحُب، ويُناصِفه ارتِداء تَاج المَحبَة!… ولا أََرى الرومانسية الرائدَة بَادِية شَاخِصًة، مُنذ زَمنٍ بَعيدٍ، إلاَّ دَيدنًًا مُداوِمًا مُلازِمًا. ولا أُبَالغ، إِِنِّي أقطِفُ جُزءًا يَسِيرًا مُخَصصًا مِن سَاعات عَملي اليَومِية- في الاستِمتاع ببرِيق حُلم يَقضَتِي الجَاذب- خَارج المَنزل، مُتأّبطًا ‘رِيمُوت كَنترُول!’ نَشِط؛ لأََقدَح زِرَ الرومَانسية المُبهجَة لهُنيهَات حَالمَة يَسِيرَة؛ لأَنعَم وأَغنَم بسِحرِهَا الآسِر، وبَعدها أُُواصِل سَاعَات عَملي اليومِي المُعتادَة في هِمةٍ ونَشاطٍ دائبين؛ ورَيثَما أعُودُ أَدراجِي إِلى المَنزل لَحظةً، أُعِيدُ الريمُوت إلى قَاعِدتِه، ولا حَاجة لِي باستِخدامُه، مَرة أُخرَى، مَا دَام البثُّ الساخِنُ ‘شَابكًا’ بشكلٍ مُباشِرٍ؛ والمكانُ العامر شَاطِحًا بخَرير مَدِّ الأَمواجِ المْتَناغِمَة، في الناحِية الدانِيَة القَريبَة؛ لتَتعثَّر وتَتكَسر أَلسِنتُها الصاعِدة المُتعاليَة، بحُريَة غَامرَة وعَفَوية وادِعة، فَوق مَد أمواجِ الشاطئ القَريب!

3. عِندمَا كُنتُ صَبيًا، تَعوَدت أَنْ أشِم شَذا عِطر ‘الحبيب’ داخِل قارُورَة عطر أّنِيقة مُغلَقَة، وبَعد ‘مَرَاسِيم’ اللقَاء الحَمِيم، وتَرتِيبَات الاقتِراب الرحِيم، عَمَدتُ إِلى إِبقَاء فُوهَة قَارُورة العطر المُونِقة مَفتُوحَة، طِوَال المَوسِم، ولَن أتحَملَ إِخفَاءَ مَا حَاك في نَفسِي؛ وأكنِم مَا خَالَط وِجدَاني طَويلًا، فَسأََلت الشرِيكَ ذَات مَرة عَن مَشاعِره المُستَتِرة نَفسِها- تِجاه مَن يُحب ويَهوَى- لأَجِسَّ فَحص النبضَ المُتسارِع؛ وأُعِيد قِياسَ مِسبِر الضبطَ الراهِن، فإذا بالحَبيب النجِيب يْسَطِّر ويُؤطَّر بأَريحِية ذاتِية أَدَقَّ التفاصِيل المُماثِلة؛ ويُجيدُ سَردَها بدِقة فَائقة، ولَبَاقة رَائقَة، ويَزيدَها عطرًا مَلكِيًا نَفاذًا جَديدًا، مُزدانًا ‘ببَسمَات ‘عَشقٍ’ عَريضَة مُلونَة، لَم أعهَد رِقِّتَهَا وجَذبها، مَن قَبل؛ لتَختَلِط ‘أَرُومَتا’ صِنفَا قَارُورَتَي العطر المُتجانِستَين؛ لتَدُوم الأَرُومَة الوَليدَة المُستَجَدة طَويلًا في جَوف غِمد ‘كَبسُولَتِها’ الأََنيقَة’، ويَعُم الدَّفّء الشامِل رَدَحًا، في عُقر مَجلس وِفَاقٍ مبارك، ومُلتقى اتفَاقٍ مْشترك شَامِلين!

4. قد تَتعَسَّر وِلَادَة أحلَى الأَمَانِي الواعِدَة في صَهو مُخَيلَة الحَبيب، ولَكنها تُبكِّر بيُسر وِلادَتِها المُنتظَرَة؛ وتَسهِّل ببِشر تَحقْق وُعُودِها المُرتقَبَة؛ وتَتبدَد، بفَائِق الأَمَل، زَفِير ٱلٱمِها المُضنِية المُوجعَة، خُطوَة، خُطوَة، خَارج ‘حَلبَة’ الحُب السائَِد؛ ليَرتَفِع مُؤشر سِعر تَعرِفة تذكِرة السعي الدؤُوب؛ لتَحقِِيق سَلة الأمَاني المَوعُودة المَأمُولة، بسِعرٍ مُتصَدرٍ صَاعِد، بأََغلى مِن سعر سَبائِك الذهَب الخالص!

5. لا أَكَادُ أتصوَّر، ولا أُدرِك، مِزَاج الوِحدة المُتمَوضِع المُستَحوِذ، وأَخَالُ طَبع الوَحشَة ‘المُتمَكَّن المُستوطِن’ بحَضرَة مَن يُشَاطِرُك سَخاءً ونَقاءً نَبع الحُب؛ ويَأنَسك شَفافِيةً ووَفاءً بدِفء القُرب الحَاني؛ ويَألفك أريحِيةً وأَصَالة بصَبَابة الحُب المُتفاني، ويُقاسِمك، بإخلَاص ومُصَافَاة، رِدَاء المَحَبة الضافِي!
وصَدق مَن وَقَف مَوقِف المُتيِّم الهَيمانِ أصَالة، على دَار الحبيبة هُنيهَةً، ثُم ارتَجز وأََنشَد وارتحل شَاكِيًا مُناجِيًا: لَا يَعرِفُ الشوقَ إلا مَن يُكَابِدُه… ولَا الصبَابَةَ إِلَّا مََن يُعَانِيها.



error: المحتوي محمي