النادرون الفاعلون

يفرض بعض أفراد المجتمعات أنفسهم ليكونوا محل تقدير وامتنان واحترام الناس على اختلافهم، كل ذلك لأنهم نذروا أنفسهم لخدمة الآخرين وفي مختلف المجالات التي يستطيعون تقديمها بعيدًا عن الضجيج والأضواء ودون أن يكونوا منضوين تحت أي منظومة اجتماعية رسمية أو غير رسمية، وإن صدف وظهروا فإنما يكون لضرورة، وإلا فإنهم يظهرون من خلال أعمالهم ونتائجها المبهرة وخدمات ميسرة للناس وهو ما يكفيهم ويرضيهم، محتسبين الأجر والثواب من ربهم عز وجل.

هؤلاء فريدون من نوعهم، ولا يخلو أي مجتمع منهم لأنهم وكما نظن مسخرون من الله تعالى لخدمة الناس وتيسير أمورهم وسد حاجاتهم خاصة المستعصي منها.

لهذا نقول إننا لو اتخذنا هؤلاء مثالًا واشتملت إدارات المنظومات المعنية على أمثال هؤلاء لما اشتكينا من التقصير ولا دبت الخلافات بيننا ولا قلت الكوادر المتطوعة خشية الفشل، فالتجانس مطلب ضروري في المنظومات، ولا أقل من أن تتوفر في الأفراد أبسط المقومات من معرفة وخبرات مكتسبة فضلًا عن السلوك القويم والسيرة النزيهة.

وهؤلاء على رغم قلتهم يؤدون أدوارًا فردية تفوق في بعض الأحيان أدوار جماعات بأكملها تعجز عن تأدية نصف ما يؤديه فرد واحد منهم.

نحن في القديح وعلى سبيل المثال لدينا منظومات أهلية ورسمية حالنا حال غيرنا ممن حولنا لها إيجابيات وعليها مآخذ، كما أن لدينا أفرادًا يقًومون بأدوار فردية ينتفع منها المجتمع وأفراده، وهم ملجأ للناس في العون والإصلاح وخدمة الناس، ولو طلبت من أحدهم ذكر اسمه فلن يرضى لأنه لا يبحث عن ذاته هنا، وسعادته في أن يرى أثر عمله في وجوه من ساعدهم ووقف معهم كل على اختلاف حالته ووضعه.

ولكن من حق هؤلاء علينا أن نشكرهم ونثني على عطائهم حتى يعرفوا أن هناك من يقدر ويثمن جميل فعلهم رغم يقيننا أنهم لا يبحثون عن ذلك ولا يرغبون فيه.

لذا لن يمنعني ذلك من أن أشير لأخي العزيز الأستاذ محمد عبدالكريم الحجر والذي لم يتوان في يوم من الأيام عن خدمة ومساعدة أحد بعيدًا عن التمايز والطبقية أو القرابة أو الصداقة، فأبو قاسم لا يميز بين الناس، في الوقت الذي لا يعتذر ولا يتأخر عن تلبية نداء من يقصده، فهو يحاول حتى من أضيق الفرص أن يخدم أهل بلدته، ولهذا. هو ينجح بتوفيق الله وتسديده، وبالمناسبة هو لا ينتمي لأي جهة رسمية سواء كان عضوًا أو مسؤولًا أو متعاونًا دائمًا، فقط حين يكلف بمهمة، فإنه يكملها بنجاح وينصرف مستأذنًا.

لهذا نسوق هنا مثالين ونكتفي:
أولهما أنه تكفل بتسجيل 200 عضو لجمعية نادي مضر العمومية، وقد فعل ذلك بمفرده بل إنه استطاع أن يجمع منهم مبالغ تفوق مبلغ العضوية المقرر دعمًا للنادي وساهم به في دعم فريق كرة القدم الذي خاض تصفيات الصعود للدرجة الثانية، والأعجب من ذلك أنه صار يمر على الأعضاء في بيوتهم واحدًا واحدًا من أجل تعبئة استمارة العضوية حتى استكمل الأعضاء في بادرة لا يفعلها حتى أعضاء الإدارة أنفسهم، وإني هنا أهيب بمجلس إدارة نادي مضر أن يبادر بالاحتفاء وتكريم هذا الرجل وإن بشكل مختصر نظرًا للظروف الراهنة التي نعيشها لأنه يستحق ذلك وبامتياز.

مثال آخر أسوقه أيضًا وقد حصل معي شخصيًا إثر عارض صحي تفضل علي بالتدخل فيه حين حجز لي موعدًا ومع طبيب مختص من الصعب الحصول على موعد معه وفي وقت قياسي، قريب، ولم يكتف بذلك بل أصر على الذهاب معي وفي وقت باكر جدًا وهو الساعة الثامنة صباحًا رغم وجود حالة مرضية تخص حفيدته وأمها وفي نفس اليوم وفي موعد متقارب لموعدي، ولكنه رافقني للمستشفى ودخل معي للطبيب وحين اطمأن ذهب ليعود بابنته وحفيدته، وتركهما بالانتظار ليعود لي مرة أخرى ليطمئن أكثر وما اكتفى بل انتظر معي حتى تظهر نتائح فحوصاتي التي أتت سليمة ولله الحمد، وعندها فقط استأذن ليذهب ويتابع حالة الطفلة.

مثل هذا الرجل لا يمكن أن تجد له مثيلًا غير النوادر من الناس، وهم موجودون ولله الحمد وإن كانوا قلة.

وإني أعلم يا أبا قاسم أنك لن ترضى بنقل هذه الوقائع ولا بالمديح والثناء الذي تستحق أكثر منه، وهو بلا شك الجزاء من الله والمثوبة منه عز وجل على كل ما تقوم به من أجل كل من يقصدك في القديح وغير القديح.



error: المحتوي محمي