أعظم الوفاء هو “وفاء الأحياء للأموات” فهو وفاءٌ طاهر بلا مصالح، لا يسمعه إلا الله.
فهم سبقونا إلى أول منازل الآخرة، فمِن البرِّ بهم والوفاء إليهم أن نذكرهم بدعوة صالحة في ظهر الغيب وذكر محاسنهم.
فقبل أيام معدودة فقدت القديح شخصية مهمة ألا وهو الملا أبو ناصر الخاطر رحمه الله تعالى.
وبالأمس أيضًا تكرر الحدث ففقدت القديح رجلًا قل نظيره، ألا وهو الحاج أحمد عيد كريكيش، أبو إبراهيم، آخر واحد من جيل حفاري القبور القدامى الذين خدموا أهالي بلدة القديح لأكثر من ٥٠ عامًا لوجه الله تعالى في البرد والحر وفي الليل والنهار.
عمله الوحيد هو الزراعة، كان يعمل في مزرعته ليكسب قوته وقوت عياله ومع هذا كان بمجرد أن يسمع أن هناك أحدًا متوفى في البلد يترك المزرعة ويتوجه إلى المقبرة مع مجموعة الحفارين المؤمنين لتجهيز تلك القبر ، وكان أحيانًا في الليل وفي عز النوم يأتيه الطارق ليقول له إن هناك جنازة ونحتاج إلى من يجهز القبر، ودون كلل أو ملل يفز من نومه متوجهًا إلى المقبرة ليقوم بخدمة ذلك المتوفى فخير الناس أنفعهم للناس وكما جاء في الرواية (من حفر لمؤمن قبرًا كان كمن بوأه بيتًا موافقًا إلى يوم القيامة).
معظم الأهالي يعرفونه ولكن للأسف لا نجد له نصيبًا في مواقع التواصل الاجتماعي أو ذكرًا له على جهوده التي بذلها لخدمة البلد وهذا يؤسفني ويؤسف كل إنسان منصف ولهذا رأيت من الواجب أن أكتب عنه ولو شيئًا بسيطًا لأعرف الناس بهكذا شخصية وأن هناك شخصيات لها باع طويل في خدمة المجتمع ولكنها مجهولة، وأنا من باب اذكروا محاسن موتاكم قمت وسطرت القليل عن هذا المتوفى رحمه الله.
ورغم مرضه في السنوات الأخيرة
فإنه كان يحرص على الحضور إلى المقبرة ويوجه الحفارين من الجيل الجديد بكيفية الحفر وعمل اللحد.
إضافة إلى كل ما ذكرته، أبو إبراهيم هو أحد الماهرين والمتمرسين في الطبخ، والذين يعملون الولائم في الأعراس وبعد أن توقف الطبخ في الأعراس، اتجه إلى الطبخ في مناسبات أهل البيت عليهم السلام وفي بعض حملات الحج.
فرحمك الله يا أبا إبراهيم رحمة الأبرار، كنت مجهولًا ولكن كم مجهول في الأرض مشهور في السماء. نسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد السعيد أحمد عيد كريكيش برحمته الواسعة وأن يدخله فسيح جناته ولأهله وذويه الصبر والسلوان وإنّا لله وإنّا اليه راجعون.