التعامل بطيب الكلام

الكلمة الطيبة جوهرة تملكها دون عناء لا تتكلف أو تدفع ثمناً لشرائها شجرة مثمرة إن أحسنت زراعتها، الواعي يستفيد منها ويفيد يزرع بذورها لتنبت أو هي نابتة مورقة لها أدوار فاعلة، خصوصاً إن صدرت من عظماء ووردت إلى عارفين لقيمتها.

(1) حين وجه سبحانه موسى وهارون عليهما السلام الى فرعون قال “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)” (طه)، والمؤكد أنه تعالى يعلم إن كان فرعون يتذكر أو يخشى لإحاطته المسبقة بكل شيء، وإنما التبليغ بالرفق على الرجاء والطمع لا على اليأس من فلاحه، وأبلغ في دعوته للحق لذا أمرهما بأن يقولا اللين مع جاحده ومَن بارزه ونازعه الألوهية، إنها الطريقة المثلى المطلوبة “الدعوة بلطف ولين”، كيف بمَن يوحده ويعبده؟ أليس أحق بلين الكلام لا بقسوته؟

(2) قال تعالى مخاطباً نبيه الأكرم محمد عليه وآله السلام [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ] 159 آل عمران، وقال: [وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ] (4) سورة القلم، عنه صلى الله عليه وآله أنه غيّر مجتمع عصره الجاف المتناحر في التعامل مع بعضه إلى أحباب رحماء بينهم يفدي بعضهم بعضاً يتقاسمون الدور وما ملكوا، وما ذاك إلا برحمة ولين وتسامح وخلق عظيم منه في مجتمع كفر أو ضعفاء إيمان، إذًا هذا التعامل مع الموحدين أولى من الجاحدين.

تُعِرض له عليه وآله السلام بالسوء من جهال قومه، سُحب رداؤه حتى جُرح، وقِيل له: اعدل يا محمد إنك لا تعدل، وقالت إحدى زوجاته “أشك أنك نبي”، فيرد بلين ولطف وابتسامة ويمنع أصحابه وهو في قوة ومنعة أن يمسوا أحداً من هؤلاء بأذى، هكذا كان يتعامل لا بغلظة “عظمة محمد ورسالته” وسار الأئمة الأطهار من آله عليهم السلام على نهجه.

(3) ألف الكاتب / حسين محمد الدخيل كتاباً أسماه “الكلمة الطيبة”، استعرض فيه مواقف وأدوار مَن تعامل بها، وذكر شخصيات أثروا بكلماتهم الطيبة في مجتمعهم، ومِن أبرزهم المتوفى يوم الاثنين 1442/12/2 هجرية الوجيه الملا /سعيد بن ناصر الخاطر، الذي اشتهر محلياً وإقليمياً بطيب كلامه وحلاوته وأسلوبه الراقي الجذاب، حل قضايا وحقق مطالب لمجتمعه “أنصح الجميع بقراءة الكتاب”، الكلم الطيب في جميع الأحوال وسيلة إصلاح مؤثرة “مهما قست القلوب إلا ما ندر”.

هناك أماكن التأثير فيها أكثر فعالية منها: (أولاً) عندما يدخل الرجل بيته متعباً ويتلقى كلمة ترحيب طيبة من زوجته تنسيه كل متاعبه، وإن هو قابلها بكلمة حب أو قدم لها بسيطاً تشعر باهتمامه وكأنه ملكها شيئاً عظيماً وإن كان قليلاً.

(ثانياً) في المدرسة تعامل المعلم بالطيب والأخلاق الحميدة له الدور الأكبر والمحفز الأول لتشويق الطلاب لدرسهم يتحسن مستواهم ويزداد حبهم لمادته والمدرسة.

(ثالثاً) المسجد الصرح العبادي الطاهر، تعامُل إمام الجماعية مع المصلين بأخلاق يشجعهم على ارتياده، أما بمجرد اتصال على جوال أحدهم ولا ذنب له في ذلك “وكلنا يعلم أنه أصبح اليوم ضرورة لا يمكن الدخول بدونه”، يحوله هذا وبعض متبعيه إلى مجرم بأسلوب مهين ومستهجن بين الحضور، وكأن الأخير ارتكب ما لا يُغتفر “كيف به العودة ثانية؟”، “ماذا عمل حتى يهان؟”، وربما امتنع الكثيرون عن صلاة الجماعة خوفاً من تعرضهم لمثل موقفه، نعم على المؤمنين الحرص الشديد وإغلاق جوالاتهم، ولكن النسيان يسيطر أحياناً على الحواس فيبقى مفتوحاً، ومن هنا أوجه رجائي إلى مشايخنا الكرام حفظهم الله أن يخففوا في تعاملهم في هذه الحالة ويراعوا المشاعر وحرمة أذية المؤمن حتى لا يزيد العزوف أكثر مما هو عليه.

(رابعاً) في الطريق تسامحك مع الآخرين ولو على حسابك الخاص بترك بعض حقوقك إن لزم الأمر له دور في منع حدوث الفتن ووأدها في وقت ولادتها دون أن تتحول إلى جريمة وتنشغل بها أياماً وشهوراً وقد تدفع حياتك ثمن تصرفك الأحمق.

(خامساً) في الدوائر الرسمية وما شابهها تعامل الموظف مع المراجع بإخلاص وبشاشة وجه وثغر باسم وتفهم صاحب الحاجة للإجراءات بصبر واحترام ونية حسنة لها تأثيرها الإيجابي في سرعة إنهاء الطلب بيسر وسهولة .

(سادساً) من يتعامل في السوق “دنيانا سوق” تجارة أو خدمة بمال أو بمعروف مع الزبون المحتاج بالكلم الطيب ورحابة صدر يكرر الأخير العودة إليه أو يستمع لقوله بعكس التعامل الخشن ينفر منه ويتعداه وإن كانت حاجته عنده.

(سابعاً) الاحترام في المجالس والتقدير خصوصاً من عليّة القوم في مقدمتهم العلماء لبعضهم أو لمن دونهم يحبب الكل إلى دخولها، أما ما يصدر من سوء أخلاق المؤمل منهم الخير والأدب أو لابسي شعار الدين فبالتأكيد يتحاشى الدخول إلى مجالستهم.

(ثامناً) الحوارات البينية والنقاشات الموضوعية كلما كان الطيب هو سيد الموقف بين المشاركين وتقبل واحترام الرأي كلما تحقق النجاح وتضاعفت النتائج المرجوة والعكس يضاعف السلبيات.

كم كلمة أصلحت بين حيين وأخرى أشعلت نارَ حربٍ لسنين بين رحمين.



error: المحتوي محمي