أربعون يوماً أبحث عن بديل

لم تكن تعاني من أمراض مزمنة، لا علامات على أمراض كامنة، كانت الأم النشيطة، كثيرة الحركة، العصامية في كل شيء.

تحب التعليم منذ نعومة أظفارها، فدرست محو الأمية في سن الخامسة والعشرين من العمر، وحصلت على المرتبة الأولى على دفعتها، وتخرجت بمرتبة الشرف،
تحب التعلم في أوقات الفراغ، فصقلت مهارة الخياطة وقراءة المجالس الحسينية بأطوارها وإحياء مناسباتهم منذ شبابها وهي لا تتجاوز سن الثلاثين من العمر، وقد خرجت جيلاً من القارئات في الرثاء والمديح، فهي شغوفة بالتعليم والتعلم.

كانت تتمتع بكاريزما فريدة من نوعها، وخاصة في التواصل الاجتماعي مع الأهل والجيران والأصدقاء، يرتاح إلى حديثها كل من عرفها.

تهاتف معظم الأولاد والبنات وحتى الأحفاد يومياً، كان حديثها شيقاً وأغلب الأوقات يدور حول شؤون الساعة أو في الأنساب والعلاقات الأسرية، كانت المرجع في علم الأنساب.

لا تمل حديثها ولا تفارقها الابتسامة، كانت الأم المثالية في تشجيع الأبناء وغير الأبناء للحصول على الشهادات العليا.

كانت الأم الحنونة الصالحة العطوفة التي تؤثر كل شيء للغير، كثيرة الصدقة، تخرج إلى وجهتها لإعطاء الصدقة سراً ولا ترضى بذكر الأسماء، ولم نعرف ذلك إلا بعد وفاتها وبدون ذكر التفاصيل.

تحث دائماً على فعل الخير وإعانة الناس، ولا ترضى بالظلم، وتزعل عندما تسمع أخباراً غير سارة ككثرة الطلاق، تأخر الزواج، التهاون بالحجاب والتبرج.

تحث على الزواج المبكر وكانت دائماً تردد الحديث “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه …..”.

علمتنا الصلاة وشجعتنا على الصيام قبل سن التكليف، الصلاة يومياً تذكرني بتلك الأيام الأولى التي بدأت أشم فيها تلك الرائحة العطرة للتربة الإمام الحسين عليه السلام.

وبعد رحيل الأم، وفي كل صلاة تمتزج فيها رائحة التربة العطرة مع رائحة تلك الأم المؤمنة، أنظر إلى تربة الإمام الحسين أرى أمي، أسمع الأذان أرى أمي، أستمع إلى المجلس الحسيني أرى أمي أمامي.

تسمع عن موسم الحج والعمرة والزيارة، فتذكر تلك الأم المؤمنة التي كانت مع الله في جميع أوقاتها، مع كل إشراقة وغروب شمس أرى صورة أمي، ومع كل تغريدة طير في الصباح أسمع صوت أمي.

القرآن في لسانها تختمه أكثر من خمس مرات شهرياً، في الليلة الأولى من المجلس الحسيني، قرأ الأستاذ الفاضل/علي حسن الرويعي سورة ياسين، وفي الليلة الثانية فتح القرآن فظهرت له سورة مريم، نعم، سورة مريم، فهل هي كرامة؟

خدمة الحسين لهم الكثير من الكرامات، وما ذلك على الله بعزيز.

حسينية الحاجة المرحومة والدتك/ سلمى سعيد البريهي سوف تبكي عليكِ في كل مناسبة وسوف تدعو لكِ بالمغفرة والرضوان لكِ ولوالديَكِ ولجميع المؤمنين والمؤمنات.

أختك الحاجة/ زهراء الرويعي أم فايز شوكان، خير خلف لخير سلف في إقامة وإحياء جميع المناسبات في حسينية والدتك.

قرةُ عين لكِ ولنا.

نامي قريرة العين والدعاء والثوب موصول لكِ وإلى والديَكِ ولجميع المؤمنين والمؤمنات.

كانت دائماً تستشهد بالآية الكريمة “….. فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا…..”.

رؤية المنام أو الحلم معها يعجز ابن سيرين في تفسيرها، الرؤية الصالحة من الله.

الكبار في العطاء والإيثار لا يموتون.

منذ أن رحلتِ إلى بارئك، بدأت أشعر بالفراغ، وبدأت أبحث عن بديل، بحثت وبحثت وبحثت، وبعد أربعين يوماً من البحث والدموع تيقنت أنه لا يوجد بديل عن الأم.

بدأت أدعو الله أن يسرع في إظهار علامات الساعة، بدأت في الدعاء أن ينهي جميع العلامات الصغرى، ويبدأ الكبرى، كي نلتقي في ذلك اليوم الموعود “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ… “.

إنها إرادة الله، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، رحمك الله يا أمي الحاجة/ مريم عبد الله علي الرويعي، أم رمزي، ونلتقي في الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.



error: المحتوي محمي