مهندس حقل شيبة المجهول!

لا تزال صورة عمّال أرامكو السعوديين، محفورة في الذاكرة، فقد كنت -وأنا طفل- أراهم خلعوا ثياب البحر والفلاحة، لابسين البدلات الكاكية.. وكأنهم عساكر ولكن في خندق معركة أخرى!

ها هو قرع مشيتهم في الأزقة الضيقة، يرنّ في رؤوسنا الصغيرة، حيث يتوجهون كل فجر إلى حافلات أرامكو. وما أدراك ما أرامكو! إنه عالم مسحور. أول ما تذوقنا حلاوته، تذوقناه عبر الكيك الأمريكي ذي النكهتين: الفانيلا والشوكولاتة، يجلبه العمال في نهاية الأسبوع إلى صغارهم. وصغار جيرانهم. وأيضاً فلا تنس الماء المحلى «البيلر»! الذي أصبح من ضرورات شرب الشاي المخدَّر!

كم مرة أرسلتني أمي يرحمها الله، إلى بيت جارنا لأملأ إبريقنا الضخم، من الجوالين التي يأتي بها حسن الشعباني، العامل في حفر آبار النفط برأس مشعاب!

لقد تضافرت شمس الصحراء وهواء الخليج، على تعميق لون وجهه وساعديه بكثير من السمرة. وبكثير من الصلابة أيضاً. لذلك لم أرَ جديداً فيما قاله الأخ عبدالله بن صالح جمعة رئيس شركة أرامكو، أمام سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن العزيز، في حفل افتتاح حقل شيبة.. من أن وعورة الموقع والصحراء الشاسعة المحيطة بالحقل، من كل جانب، وبعده عن المناطق المأهولة، وقسوة المناخ بحرارته الشديدة الرياح، لم تحل دون أن يتمكن المهندسون السعوديون في شركة أرامكو السعودية من تطوير الحقل، وتسخير ثروته لما فيه صالح هذه البلاد الغالية.
لم أرَ فيه أنا شخصيًّا الجديد، الذي يكون قد دهش غيري. فأنا أعلم أن معظم مهندسي حقل شيبة الذين عملوا على اكتشافه، والتخطيط لإنتاج نصف مليون برميل من الزيت الخفيف يوميًّا. لم يكونوا سوى أبناء أو أحفاد ذلك الجيل «الفني» من الأحساء والقطيف ونجد والحجاز، والذي استعان به مهندسو الشركة الأمريكان في بداية إنشائها.. إلى درجة جعلت الشركة تواصل حتى اليوم، الاستعانة بخبرة بعض من عمال أرامكو المؤسسين، في معرفة بعض الأمور الفنية الدقيقة في اكتشاف آبار النفط وحفرها.

ولو كنتُ مكان رئيس شركة أرامكو السعودية، لعملتُ على تقديم مهندسي حقل شيبة السعوديين، تقديماً يليق بما قدموه من تضحيات وطنية جسيمة. ليس أقلها إعلان مسؤوليتهم الأدبية، عن تنفيذ المشروع في فترة زمنية قياسية جدًّا، وبضغط التكاليف إلى النصف، وذلك بعدما عُرض المشروع على شركات استثمار عالمية في سوق الصناعة البترولية.

ولو كنتُ مكان رئيس شركة أرامكو السعودية، لعملتُ كذلك على ترقية المهندس نظمي النصر، لقاء ما قدمه من جهود مضنية، وبمستوى عالٍ من المهنية الفذة والالتزام الوطني، وهو يدير فريق حقل شيبة، بكثير من نكران الذات إلى درجة أننا لم نرَ له تصريحاً أو صورة أو أي حضور إعلامي، سواء كان ذلك قبل الحفل أو أثناءه أو بعده. فهو الآخر كجيل الآباء والأجداد من عمال ومهندسي شركة أرامكو، عمل بصمت وإخلاص نادرين، ولولا كثافة اللون الأسمر في وجهه وساعديه، لما عرفنا أنه ممن عمل وزملائه السعوديين، على إنجاز هذا المشروع الضخم، بكل إبداع تقني ونجاح إداري، يستحقان الإعجاب والتقدير والترقية بطبيعة الحال.



error: المحتوي محمي