اِرجِعْ إلَيْ ..

أخي (أبو علوي) ..

أهرُبُ منك إليك ليكون لهروبي معنى ، وأبحثُ عنك في داخلي لأعرِفَ عمقَ معناك وجوهرك ؛ فأنا لا أراك وإن كنتُ أراك لأنكَ أنا وإن كُنتَ أنت.

باللهِ كيفَ هَجرتني،
ونَسَيْتَني!
وكأنَّني
ما كنتُ فارسَكَ الوحيدْ!
مِنْ بينِ آلافِ الفوارسْ…
أَأُخيُّ، يا أَلقَ الوجودِ،
وبسمةَ الزَّهرِ الجميلهْ،
خُذني إليكْ؛
إني أراكْ
– عَلَى قياميَ والقعودِ
وفي المنامْ –
أنفاسَ مُنْبَلَجِ الصباحِ،
وَأُغنياتٍ في المساءْ
إني أراكَ – أيا عيونيَ – راقصاً ومُغرِّدا
إني أراكَ بكلِّ روحيَ روضتي والموردا
اِرجِعْ إلَيْ ؛
يا أغلى ما امْتَلَكَتْ يَدَيْ
ما عادَ في الشَّرْيانِ منْ نبضٍ،
ولا في ناظرَيْ
غيرَ الدموعْ،
وحرقةٍ بينَ الضلوعْ
اِرجِعْ إلَيْ ؛
مازلتُ أَحْلُمُ في ابتِسامِكْ،
وأرى جَواهِرَ في كلامِكْ
مازلتُ أنتظرَ المجيءْ
فمتى تعودْ ؟!
ومتى يعودُ لقلبي المضنى الدواء ؟!
ومتى أطيبْ ؟!
أرجوووووووك عد لي؛ فالجراحُ على الجراحْ،
وأنا أصولُ بِلا سِلاحْ
هذي خَفايا البئرِ ألهبَها الرحيلْ
وبدتْ تبثُّ سمومَها الحمراءَ
في جوفي سهاماً قاتلهْ
هذي البُغَاثُ استنزَفَتْ
دمعي دماً، وتخطَّفتْ
وغدتْ تُعربدُ بينَ جفنيَ والدموعْ،
وتَصبُّ نارَ الغيرةِ الحمقاءِ
في الجسدِ الهزيلْ
اِرجِعْ إلَيْ ؛
يا مَنْ رأيتُكَ كُلَّ شَيْ
ما عادَ مِنْ شيءٍ لَديْ!
أَوَلَـمْ تكنْ سَنَديْ،
في شدَّتيْ وَيَدِيْ!
أنا بعدكَ الـمَكْسُورُ ظهراً، ما يُفارِقُهُ انحناءْ
أنا لُقمةٌ بفمِ العدوِّ يلوكُها من دُونِ ماءْ
ما عادَ في روحي وَهَجْ؛
لأكونَ وحديَ في اللُّجَجْ
اِرجِعْ إلَيْ ؛
هذي الضباعْ
على يمينيَ حُوَّمٌ مُتكالبَهْ
هذي السباعْ
على يساريَ سائبَهْ
وأنا كما تدري أُخَيْ
في داخلي سَكَنَاتُ ظبيْ
ارجع إليَّ؛ فلم أعد موسى، ولا
مَن كنتَ تحسبُهُ السماءْ
ما عدتُ ذاكَ الطائرَ الجوَّالَ في الآفاقِ
يستبِقُ الضياءْ
ما عدتُ ورداً أحمراً مُتبسِّماً سَحرَ الحقولْ
ما عدتُ بلبلَكَ الطروبَ على الغصونْ
ما عدتُ ماءَ فراتِكَ العذبَ الزلالْ
ما عدتُ شيئاً يا أُخَيْ
اِرجِعْ إلَيْ ؛
وعلى فؤاديَ ضعْ فؤادَكْ
حتَّى نهيمَ، ولا نفيقْ
اِرجِعْ إلَيْ ؛
ما عاد في الدنيا قمرْ!
ما عاد في ليلي سمرْ!
ما عاد في سمعي وترْ!
اِرجِعْ إلَيْ ؛
إني وربّك قد رحلتُ، وما رحلتْ!
إني أعيش بذي الحياةِ بلا حياةْ!
إني أعيش بلا فؤادْ،
وبلا مشاعرَ أو جمالْ!
إني وجَدِّكَ كم أموتُ، ولا أموتْ!
حتى الأحاسيسُ التي ألهبْتُها حُزناً عليكْ
حتَّى تموتَ على يديكْ
خانتْ فؤاديَ، لم تمتْ!
اِرجِعْ إلَيْ ؛
ما عدتُ أحتملُ الفراقْ
أَأُخَيُّ يا كُلَّ الرفاقْ
كسري عميق!
أَأُخَيُّ يا نبضَ الفؤادْ،
حِمْلي ثقيلْ،
ولا معينَ على الأسى
إلاكَ يا شمسَ الحياةِ
ونشوةَ القلبِ العليلْ
ارجع إليَّ، ودعكَ من حُصُرٍ وتُربانٍ
ونومٍ في القبورْ؛
لتنامَ ما بينَ الغديرِ ووردِهِ
ما بينَ زهرةَ والرقيةِ والزكيةِ والبدورْ
في رمشِ فاطمةَ التي أَحببتَها دونَ النساءْ
في جفنِ آياتِ السماءْ
في قلبِ جوهرةِ الزمانْ
في مهدِكَ العلوي يا أغلى الوجودْ
اِرجِعْ إلَيْ؛
ما عادَ حيدرُك الخجولُ
كوردةِ الآسِ الجميلهْ
ما عادَ مُنتظرٌ أنيقْ
مثلَ الحقولِ وزهوِها
ما زالَ باقرُكَ الصغيرُ
مُقبلاً أبهى الصورْ
حتى المنيرُ غدا يسيرُ بلا إنارةِ
والسراجُ بلا سراجْ
إلا الحسينُ يعيشُ في قلبِ الحسينِ
يعيشُ من صبرِ الحسينِ
يعيشُ من صدرِ الحسينِ
يعيشُ من نحرِ الحسينِ
كما تعيشُ بظلّهِ يا ابنَ الحسينْ
ما ماتَ من عَشَقِ الحسينْ
ما ماتَ من أَحيا الحسينْ
ارجِع إلَيْ…



error: المحتوي محمي