لقد غاب عنا الفقيد الغالي المهندس عباس الشماسي بشخصه الكريم، ووجهه المشرق، وابتسامته الجميلة، وهذا ما أحزن نفوسنا، وجرح قلوبنا، ولكن بقيت لنا مجتمعًا ووطنًا سيرته العطرة الملهمة، وما أحوجنا إلى تخليد هذه السيرة، ليعرف الجيل الناشئ من أبنائنا صنّاع مسيرة العمل الخيري التطوعي، ورواد العطاء والتضحية من أجل الدين والمجتمع والوطن.
إن إحياء ذكراه ليست حاجة له، فقد تجاوز معادلات عالم الفناء، وارتحل إلى عالم الخلود والبقاء، وفد على ربٍّ كريم، واستقبل حصاد وثمار عمله الصالح إن شاء الله.
لكننا نحتاج إلى إحياء ذكراه لنستلهم من تجربته الإنسانية الإيمانية الثرية.
وأركّز هنا على بعض السمات التي امتازت بها شخصية الفقيد الراحل، من أجل تعزيزها في النفوس والسلوك الاجتماعي.
أولًا: الكفاءة والوعي: فقد كان جادًّا في اكتساب الكفاءة وتنميتها، في مسيرته الدراسية الأكاديمية، وفي عمله المهني الإداري، وفي خبرته الهندسية، وذلك واضح من خلال نيله درجة البكالوريوس والماجستير، وكتاباته التخصصية، وسجله الوظيفي المتميّز. كما كان متألقًا في وعيه الديني والاجتماعي، فقد فهم الدين رسالة إنسانية، وشعورًا بالمسؤولية الاجتماعية، وموقفًا وطنيًا صادقًا.
وكان ذلك يتجلى في مشاركاته في معالجة مختلف القضايا الاجتماعية والوطنية، كان يصغي للآراء، ويناقشها بإيجابية، ويساعد في تطويرها، ويشجّع على اتخاذ المواقف الواعية المسؤولة بعيدًا عن التعصّب والتشنّج.
وهذه شهادة أسجلها للفقيد الراحل، وقد شاركت معه في عدد من اللقاءات والحوارات، وضمن وفود المتابعة للقضايا المختلفة فرأيته رزينًا وقورًا واسع الفكر والذهن في استقبال الآراء، والتعاطي معها، مهما كانت نسبة التفاوت والاختلاف بينها.
ثانيًا: التضحية والعطاء: عباس الشماسي خير قدوة وأنموذج في جيلنا للعمل الاجتماعي والوطني، فقد أمضى زهرة شبابه، وسني حياته في تحمل مختلف المسؤوليات في المؤسسات الاجتماعية، والمشاركات الوطنية، كجمعية القطيف الخيرية، حيث تصدى لرئاسة إدارتها لسنوات، والجمعية التعاونية متعددة الأغراض بالقطيف، وفي حملة الإيمان لخدمة الحجيج، ولجنة التنمية الأهلية، والمجلس البلدي لمحافظة القطيف، وفي كل هذه المؤسسات كان له دور قيادي، وأثر ملموس في تطوير عملها وأدائها.
كنت أشفق عليه خلال رئاسته لجمعية القطيف الخيرية، فهو يعمل في الهيئة الملكية بالجبيل، وذلك يستلزم منه الذهاب في الصباح الباكر لقطع المسافة يوميًا، ثم العودة في وقت متأخر بعد الظهر، حيث يتأهب لمتابعة أعمال الجمعية بما يستلزم من اجتماعات وإدارة مهام.
فكيف كان يوفِّق بين كل ذلك وبين التزاماته العائلية، إضافة إلى حرصه على المشاركات الاجتماعية في المناسبات الدينية، وفي الأتراح، والأفراح، والتواصل مع الأرحام، ومختلف رجالات المجتمع.
إنها الهمة العالية، والتنظيم للوقت، وروح التضحية، وتوفيق الله تعالى له. إنه خير قدوة على هذا الصعيد.
ثالثًا: الأخلاق الفاضلة: كان واسع الصدر، مستوعبًا لاختلاف وجهات النظر، وأنها أمر طبيعي في ساحة الاهتمام بالشأن العام، حيث تتفاوت الآراء والأفكار، وتتعدد زوايا المعالجة عند المهتمين بالعمل الاجتماعي.
وذلك ما لا يصح أن تترتب عليه خصومة أو قطيعة، لذلك كانت جسور علاقاته ممتدة مع جميع الأطياف من العاملين في الساحة يبادلهم المحبة والاحترام.
وهذا درس مهم يجب أن نستلهمه من سيرته العطرة.
أسأل الله تعالى له الرحمة والرضوان، وأن تتواصل مسيرة عطائه في أبناء المجتمع، وخاصة من أسرته الكريمة آل الشماسي، الأسرة العريقة، التي عرف المجتمع عددًا من رجالاتها المعطائين المخلصين، كإخوته الراحلين الحاج منصور (أبو سعيد)، والحاج علي (أبو رؤوف)، والحاج عبدالله (أبو حلمي)، والأديب اللامع محمد (أبو أيمن).
فكل واحد منهم كان ملء السمع والبصر، في استقامته وعطائه للدين والمجتمع. رحمهم الله جميعًا، وأملنا كبير في أبنائهم، وبعضهم له دور بارز فعلًا، وفقهم الله جميعًا لمتابعة السير في طريق خدمة الدين والمجتمع والوطن. وسلام عليك يا أبا فاضل، يوم ولدت من أسرة كريمة، نشأت في أحضانها على الخير والصلاح، ويوم متَّ بعد أن أديت واجبك، وأعطيت لمجتمعك ووطنك، ويوم تبعث حيًّا في زمرة النبي وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين.
والحمد لله ربّ العالمين.