الضفة الأخرى 5

من طبيعة الإنسان أنَّه دائمًا عجُول في أمُوره، لا يهدأ إلا أنَّ يحصل على ما يُريد، خُصوصًا لمن لا يُتقن ثقافة التَّريث، كسمير، الذي تربى على الدَّلال والرفاهية، مما جعله شخصية لا تهتم إلا بمُتع الحياة، والتسكع في الديوانيات مع أصدقائه، لم يُكمل دراسته الجامعية، اكتفى بالشهادة الثانوية، ليدخُل مُعترك الأعمال التجارية مع والده، حيث أصبح الكُل في الكُل، فقد أعطاه والده كُلَّ الصلاحيات، لكي يتمرَّس في العمل، ويعتمد على نفسه في المُستقبل.

لم يستطع الجُلوس على الأريكة في بهو المنزل المُترامي الأطراف، ليشعر أنه يتقعر، وأنَّ هذا الاتساع، يضيق كُلما مرَّت الدَّقائق، فتوجه إلى الشُّرفة، ليُمعن النَّظر ناحية الشارع، لعلَّه يُخبره عن قدوم أمه، ويعرف ما جرى بينها وبين خالته أم مُحمد.

الفُضول سمة قد تكُون غالبة على تاء التأنيث، وعبير إحداهُنَّ، فبرغم أنَّها تعشق الصَّمت والتَّأمل، بكونها تهتم بالأدب وشغُوفة به حدَّ الشَّغف وأكثر، وتُمارسه كتابة، لم تقو على إطلاق العنان إلى قدميها، وعدم استراق السَّمع، لحديث خالتها، لتُصغي له بكُلّ كيانها من وراء حجرة الضيُوف، إنَّها جاءت إذًا لتخطبها إلى سمير، تفاجأت جدًا، انتابتها قشعريرة عابرة، تعثَّرت بها، حالة من الغيبُوبة، جعلت قدميها ترتجفان.

من القسوة بمكان أن ترتطم المرأة بالواقع والخيال، ما بين أحلامها، وما رسمته عن فارس الأحلام، عن الغائب وحُضوره المُرتقب، عندما تُلامس ظلَّه، توجعُها الرُؤيا، كُلما مرَّ طيفه، ليأتي “فارس الأحلام”، يُؤرق ليلها، ويُلهب أبجديتها، لتكتبه.

وجهت السُؤال إلى صحراء ذاتها، لتهبُها وميض عُشب: هل حقًا أن فارس الأحلام، ينصهر واقعًا، وبإمكانه أن ينزل عن صهوة جواده، ليحُيطها بيديه، لتمتطيه، ويقُودها باتجاه حُلمها، وينسجُه حقيقة، تلمسُها؟

نوع من جلد الذات، كثير من استفحال رغبتها، تستفزُها عنوة، تُدير رحاها منه وإليه، هل تستطيع أن تبُوح باسمه، الذي طالما داعبته في صمتها، وخلجات فُؤادها، هل تمتلك الجرأة الكافية، للبوح به، وهي التي وصفتها صديقتها سوسن بأنَّها الأنثى، التي تقُول كُلَّ شيء في كتاباتها، ولا تقُول شيئًا من شفتيها، لكثرة صمتها وتأملها، واستمتاعها بكُلّ الأشياء من حولها، كأنها امرأة، تفترش مطبخها بألوان زاهية، وأدوات، تشتاق لها الأصابع، لتُعد أشهى طعام، تشمُّ فيه رائحة، أشبه ما تكون برائحة امرأة عاشقة، تجمَّلت لعشيقها، مُتلهفة إلى لقائه، وتناول العشاء معه، لتُطعمه بيديها، وهو يبتسم لها بشفتيه وقلبه.

أخيرًا استطاعت أن تُسيطر على نفسها، وهرولت ناحية حُجرتها، لتغرس جسدها ما بين لحافها، وتُسلم كُلَّ أفكارها إلى عينيها، لتُحدق في ظلمة حُجرتها، لعلَّ طائر النَّوم، يأخُذها معه إلى حيث لا تعرف.

الآن، أغمضت عينيها، واستغرقت في النَّوم.



error: المحتوي محمي