فقد الأحبّة غربة

كلمة في تأبين المرحوم الحاج المؤمن مهدي الشويكي (أبو صالح).

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} سورة البقرة.

ما أشد على الإنسان في هذه الحياة المليئة بالهموم والأحزان والمصائب والآلام والبلايا العظام من فقد الأحبة، ففقدهم غربة كما عبر عنه أمير المؤمنين عليه السلام وهو أمير البيان ورب الفصاحة، حيث روي عنه عليه السلام قوله: “فَقْدُ الْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ”، [نهج البلاغة].

وإننا إذ فقدنا بالأمس القريب فقيدنا العزيز المؤمن الخير الصالح وأحد رجالات القديح المخلصين الحاج مهدي الشويكي أبا صالح، فإننا نحس بألم الفقد وبمصيبة الفراق، وإن الفراق مر المذاق ولكن ما لنا غير التسليم بقضاء الله وقدره وما نملك إلا الصبر على هذه المصيبة الأليمة، وإنما الأمر والمرجع لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد كانت حياة فقيدنا الغالي – والذي ودعنا سريعاً – مليئةً بالأحداث الجسام والمصائب الكبيرة والتي مرت عليه وهو في غضارة شبابه من فقد أحبته في حادث مؤلم وهم المرحوم والده الحاج علي وأخواه الكريمين صالح ومسلم ومن بعدهم أخوه أحمد رحمهم الله جميعاً، غير أنه قابل ذلك بالصبر الجميل وتحمل المسؤولية بكل اقتدار.

لقد تفتقت أسارير فقيدنا الراحل منذ بواكير عمره عن همة وعزيمة ونشاط وعن موهبة أدبية، فكان مولعاً بقراءة الكتب الدينية والفكرية، حيث كون له مكتبة خاصة تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب الدينية والفكرية والأدبية.

وكان شغوفاً بمجالسة أهل العلم وأهل الرأي والخبرة من رجالات القديح ذوي الشيبة والوقار وأصحاب التجربة والمعرفة والتقوى والصلاح، وممن خبروا الحياة وعاصروا الأحداث التي جرت على القديح أو رأوا وسمعوا ممن عاصروها، فكان ينهل من معارفهم ويستفيد من تجاربهم وخبراتهم، مما كون له رصيداً معرفياً زاخراً بمعرفة الأحداث التاريخية والبطولية.

كما كان الفقيد محباً للكتابة، فكان مشاركاً بمقالاته وخطاباته في المناسبات الدينية التي كانت تقام في القديح بمناسبة مواليد أهل البيت عليهم السلام، وأيضاً كانت له مشاركات اجتماعية في حفلات الزواج سواء فردية أو جماعية في مهرجان الزواج الجماعي.

وكان محباً للعمل التطوعي والخيري اللذين كانت القديح بأمس الحاجة لهما وما زالت من قبل الشباب الذين يملكون السواعد الفتية والهمة والنشاط في خدمة المجتمع سواء كانت خيرية أو رياضية أو دينية.

ففي المجال التطوعي الخيري، كان الفقيد عضواً في مجلس إدارة جمعية مضر الخيرية وتشهد له مشاركته المتواصلة في اللجنة الاجتماعية في الجمعية، أما المجال الرياضي فقد كان عضواً فاعلاً ومساهماً في دعم نادي مضر الرياضي بالقديح، وأما المجال الديني فقد كان عضواً إدارياً في جماعة الهدى الدينية وغيرها من اللجان الفاعلة في المجتمع.

وكان مواظباً على قراءة السيرة الحسينية أيام عاشوراء وغيرها من مناسبات وفيات المعصومين عليهم السلام.

وكان فقيدنا الراحل العزيز أبا صالح متميزاً بمجموعة من الخصال الحميدة منها:
– أخلاقه الحسنة وعشرته الطيبة وتعامله الراقي مع معارفه وأصدقائه وزملائه، مما جعل له رصيداً كبيراً من العلاقات الاجتماعية، وهو دليل على طيبته وتواضعه ونكرانه لذاته وخدمته لمجتمعه بكل ما يملك.

– كان بعيداً عن الأضواء غير محب للظهور يعمل بصمت ويقدم خدماته من أجل رقي المجتمع وتقدم البلد لوجه الله تعالى.

– كان وصولاً لرحمه متفقدا لأقربائه مشفقاً عليهم ولا يبخل عليهم بالنصح والتوجيه والإرشاد ويقدم لهم ما يستطيع من مساعدات مادية أو معنوية، كما يشمل الناس الآخرين من غير قرابته برعايته وعطفه وحنانه ومساعداته.

لقد ابتلي فقيدنا العزيز في آخر حياته بمرض مفاجئ وعانى منه كثيراً وسلم أمره لله تعالى، والمؤمن في هذه الحياة معرض للبلاء ولا يقضي الله تعالى على عبده إلا بما هو خير له ولما فيه صلاح له دنيا وآخرة.

فقد ورد عن إمامنا الباقر عليه السلام: “إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه ـ أو قال ـ على حسب دينه”، [الكافي 2: 197].

وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “إن الله إذا أحب عبداً غته بالبلاء غتا”، [الكافي 2: 192].

وعنه عليه السلام: “إن عظيم الأجر مع عظيم البلاء”، [الكافي 2: 196].

وقد رحل بعد هذا البلاء وهذه الشدة إلى رب كريم غفور رحيم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

إننا إذ نفقد عزيزنا أبا صالح ينبغي منا وخاصة من أولاده الأعزاء وذوي رحمه ألا ينسوه من صلتهم له والبر به؛ من زيارة قبره والتصدق عنه وقراءة الفاتحة لروحه وإهداء ثواب الأعمال الخيرية له، وهو يستحق منا ذلك وأكثر من ذلك.

رحم الله تلك الأرواح التي ترفرف حول أحبابها تنتظر منهم الوصال والتواصل وعدم الانقطاع عن برهم وصلتهم، فهم يأنسون بأحبتهم ويفرحون بهداياهم المادية والمعنوية، وإن الواجب الإنساني والشرعي يقضيان بعدم نسيانهم، فهم الآن أحوج ما يكونون إلى البر والصلة والعطية.

رحم الله فقيدنا الغالي أبا صالح رحمة الأبرار، وحشره مع ساداته محمد وآله الأطهار عليهم السلام، وعرف بينه وبينهم في مستقر رحمته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، ولروحه وأرواح أسلافه رحم الله من يقرأ الفاتحة.



error: المحتوي محمي