بعض المواقف، تجعلك ترشف الإنسانية، لما تحتويه القُلوب من عبيرها، تُصغي لنبضاتها، فلا يسعُك إلا أن تتخذها نمُوذجًا، تحتذي به.
في هذه اللحظات، ينتابُني الحُزن على رحيل الحاج مهدي علي الشّويكي، الذي لا تربطُني به علاقة مُستمرة، إلا أنّني أعرف أنه شخصية من القُديح، مُبادرة إلى عمل الخيرات، إلا أن موقفًا حدث لي معه، يختصر كُلَّ المعاني الإنسانية، لتمنحُني الكثير من التفاصيل عنه.
ذات يوم، كُنت واقفًا بجانب أحد الأشخاص، الذي تعرض إلى مُشكلة ما، أبصرت الرَّجل، وهو يحتضن ولديه، ودموعه، تجري على خديه، والمرحُوم الشّويكي، يُخفف عنه ألمه، ويقُول له: نحن معك، وسنكون في خدمتك ومُساعدتك، لحظتها اقتربت من المرحوم الشّويكي، وتحدثنا، كم رأيت في عينيه وشفتيه كُلَّ اللهفة لمُساعدة الرَّجل، كُنت أصغي له، مُتأملًا ملامحه، أحدث نفسي: أيُّ قلب يحمل هذا الإنسان، وأيُّ لغة تُشبه الماء البارد، ليُسكبها على قُلوب الآخرين، وأيُّ دفء أشعر به الآن!
وفي نهاية حديثه، الذي كُنت مُتعطشًا إليه، قال: لا بُد أن نُساعده، ونُقدم له المال، الذي يسدُّ حاجته، مع مُرور الأيام، عرفت أنه يُساعد هذا الرجل بكُلّ ما تحمله الكلمة من معنى، افترقنا بعد بضع دقائق، كان الوقت حينها، كأنه مسافات طوال، جعلتني، كأني أعرفه مُنذ زمن.
وفي يوم آخر، التقيته في مجلس الأخ “أبو قاسم الحجر”، الذي دعاني لحضُور مجلسه، كُنت أصغي لحديثه، وهو يتحدث عن نادي مضر، بعد تحقيق فريق اليد إحدى الإنجازات، ازداد إعجابي بهذه الشخصية الواعية، الشَّغُوفة بخدمة الآخرين بكُلّ ألوان الخدمة.
هذا المساء، كان حزينًا، فقد فارقت رُوحه الدُّنيا، تاركًا لنا، نحن فاقديه الألم على فراقه، لنبحث هُنا وهُناك، لنقف باتجاه، الذين يعرفونه، ليُحدثونا عنه، لنعرفُه أكثر.
هكذا هُم، المُثابرون إلى خدمة مُجتمعهم، يرحلون، ولكّن تبقى أعمالهم نبراسًا، يُضيء إلى الآخرين الطَّريق، ليقتدوا بهم، يُجذرون ثقافة العطاء بكُلّ حيثياتها، ديدنُهم التَّواضع، وحُب الإنسان.