لا يدع شيئًا إلا وكان له من يراعه نصيب، يستبسل طربًا بالحرف، هكذا مضى، وهكذا سيمضي، إلا أن يحدُث ما يجعله مُغايرًا.
كُلُّ من حوله يُجامله مدحًا، كُلَّما وضع ما يكتبه عبر قنوات التواصل الاجتماعي، انهالت عليه الكلمات، تُشيد بإبداعه.
ذهب سالم إلى الديوانية لزيارة أصدقائه فرحًا، وعند وصُوله، تعمد الوقوف عند باب الديوانية، وهو يبتسم، مُوجهًا هاتفه النقال بوجه أحد أصدقائه القريب منه، أخذه العجب، لا يعلم لماذا سالم فرحًا لهذه الدرجة، مُستنكرًا عليه ذلك.
حدق مليًا في هاتفه، وجد مقالًا، في الجهة اليُمنى من العنوان مكتوب اسمه.
كُلٌّ من الحاضرين، يترقب الإفصاح عن سبب هذا الفرح، وأعيُنهم، تُدير طرفها إليه حينًا، وإلى صاحبهم حينًا.
حدثهم سالم، ليُزيل عنهم هذا الغمُوض: ما رأيُكم، لقد تمَّ نشر مقالي اليوم، ألا ترون فخامة الاسم؟
تسمَّر الحاضرون، كأنهم من الخجل، أراد كل واحد منهم، أن يتوارى في “كُمّ” ثوبه، أو قميصه، فلا يظهر من جسده سوى ما يلبسه، ويتراقص على ألحان هواء وحدة التكييف.
إن بعض المواقف من شدة سخافتها، تجعلك تتمنى ألا تكون حاضرًا في أحداثها، تُقدّم عليها النوم على وسادتك، والعيش في حُلم ولو كان مُزعجًا، فإنه على أقل تُقدير، ستجلس من نومك مفزوعًا، جبينُك يُغرقه العرق، وستعرف أنه حُلم، حينها سينتابُك الضحك، وتقول لذاتك: خطاك السُّوء يا ذاتي، إنَّه في الحُلم وليس فيك.
أجابه عادل، الذي يجلس على الطرف الأيمن بجانب شاشة التلفاز، حيث أوقف الفيلم: خير مقالك تمَّ نشرُه، أين تكمُن السعادة، وهذه “الهيصة”، التي أزعجتنا بها، وقطعت علينا مُشاهدة الفيلم الكرتوني “سالي” و”خربت علينا الجو”.
قطّب سالم حاجبيه، مُتذمرًا: ألا تعلم أني أصبحت مشهورًا، فإنني بمُعدل كل أسبوع، أقوم بنشر ما أكتبه.
انتهز أحد الحاضرين هذا النقاش بينهما، وأخذ يقرأ المقال، الذي جاء بعنوان “كُن مشهورًا”.
شدَّه العنوان، حدَّق في الأسود من الكلمات، يقرأ بعُمق، فلم يجد في المقال إلا حشواً، مُجرد كلمات، تمَّ تنسيقها، ولا تتمتع ببناء هندسي في الحالة البصرية، أو تحوي موضوعًا، أو فكرة، يغوص فيها، ليجعلها ناضجة، فلا يحتضن المقال بين أروقته المُحتوى النَّوعي، الذي يُفلسف ماهية الشُهرة، وكيف ينبغي التعامل معها، لتكون في وجهتها الصحيحة، وتستثمر بالاتجاه النافع والمُفيد.
وجّه نظره إلى سالم، مُعاتبًا: كان المُفترض عليك، أن تخجل لما كتبته، لا أن تفرح كُلَّ هذا الفرح، يا للأسف، كُلُّ الذي يهُمَّك أن تكون مشهورًا، ولا يهُمك نوعية المُحتوى، الذي تُقدمه للآخر..، اعلم أن الإنسان، تكمُن شُهرته الحقَّ فيما يُقدمه للآخرين من المُحتوى الراقي بكل ألوانه، حتى على الصعيد الكُوميدي، أكان بصريًا، أم مكتوبًا، فالشُهرة نتيجة، وليست هدفًا، فإذا حصل عليها الإنسان، فإنه يتمنى أن تكون وسيلة، ليخدم بها مُجتمعه، يُثري الساحة بالعلم والمعرفة، وفي كُلّ ما يتمتع به، تكون بوصلته الخدمة، وإن لم تأته، فليس مُهتمًا بها، لأنه لا يسعى لها.
لم يُبال بكلماته، واعتبرها تخلُّفًا: هذا الكلام، يدل على أنَّك إنسان رجعي، وتعيش في السنوات الماضية، لتفهم أن الحياة تطورت، وعليك أن تتطور معها.
أغلق الباب، مُودعًا: سي يو، نراكُم على خير، انتظروا مقالي الجديد، سأرد فيه على صاحبكم، الذي يعيش الأمس.
وأثناء وصُوله إلى منزله، أدخل سيارته في “الكراج”، فجاءه صوت زوجته، مُحملًا بالعصبية: لماذا تأخرت؟!، لماذا لم تُحضر العشاء؟!، طبعًا لم تذهب إلى زيارة والدتك في المُستشفى، ولم تشتر حليبًا لطفلك، احمَّر وجهه، انحنت قسماته، يبد أنه خجل من تصرفاته.
صرخت بوجهه: متى تهتم بنا، وتترُك عنك التفاهة؟!
خرج ابنه حزينًا، وخاطبه: بابا، أنا جائع، كُنت أنتظر العشاء، الذي وعدتنا به من المُطعم، ولم تُحضره، أنا جائع.
تنويه: القصة من الخيال، ولا تنتمي شخصياتها إلى الواقع.