منذ عقود قريبة لم يكن الاهتمام بصحة الجسد شيئاً معقداً، لقد كان أجدادنا يسيرون بالاتجاه الصحيح، أنهم يأكلون الطبيعي لم يكن لديهم تصنيع ولا كيمياء، أغذيتهم كانت صحية تضفي على أجسامهم النشاط والحيوية، وتساعد على الشفاء وواقية من سائر الأمراض، فلم يكن لديهم أمراض العصر ولا مشكلاته، كانوا يأكلون ما تقع عليه أيديهم من رزق الله، قد لا يأكلون لشهور طويلة اللحوم ويعيشون على المنتجات النباتية، ولكن عندما يقعون على شاه أو خروف أو لحم عجل أو بقرة أو دجاجة كانوا يأكلون حتى تمتلئ بطونهم، كانوا لا يفرقون بين الدهون واللحوم الحمراء، كان الطعام طازجاً ولم يفكر أحد أن يخزن اللحوم والأسماك أو الخضراوات، كان ذلك نظاماً يتسم بالبساطة، جعلهم يشعرون دائماً بالرضا والارتياح.
اليوم وبعد أن فقدنا تلك الأشياء البسيطة في حياتنا والتي لا تقدر قيمتها، فقدنا لقيمات طالما ألفناها وفطمنا على نكهتها وشببنا على رائحتها، عمت الأمراض وتوجهت أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة، وحظي الغذاء بالحظ الأوفى من التهم وأخذ الجميع يتكلم عن الأمراض المزمنة، فهل يفهم الجميع معنى المرض المزمن؟
بداية وقبل أن نبحث في اللغط الدائر حول الكلام عن الأمراض المزمنة – وللأسف الشديد – ما يسمى الأمراض المزمنة، لا بد من التأكيد بأن صحة الإنسان هي أغلى وأهم ما يمتلكه في حياته الدنيوية، فهي ليست خاضعة للتخمين أو الخطأ أو التجارب أو التجارة، ولكن يبدو أن ما تمارسه شركات التصنيع الدوائي والدور الخفي الذي تلعبه المخلفات الكيميائية وآثارها الجانبية الخطرة، أدخلتنا عصر الأمراض المزمنة، معظمها ذات الصبغة التسويقية أو التجارية، ومنها من بالغ في التحذير والتشاؤم وأنها من سلبيات الزمن المعاصر دون استناد إلى مفهوم علمي متمكن، رغم كثرة ما يثار حول أغذيتنا وعلاقتها بالصحة والمرض، إلا أن كثيراً مما يثار حولها ما زال يترك للمتأمل أكثر من تساؤل، ولعل الاضطراب في وضوح الصورة عند كثير من الناس وترديدهم الدائم بالقول: نصدّق من.. وإلى متى؟ سببه عدم اتفاق واضح بين الدراسات حول حقيقة الأمراض المزمنة، والسؤال الذي نطرقه اليوم، هل فعلاً لدينا هذه الأمراض المزمنة أو هي من صنع غيرنا؟
هناك عادات سيئة في الغذاء، والجملة الغذائية ابتداءً من الزراعية والكيماويات والهرمونات إلى نوعية الطبخ، ثم التناول بإفراط، كل ذلك سبب أمراضاً عديدة أمسكت بخناق الناس مثل السمنة والسكري وضغط الدم وأمراض القلب وفقر الدم.
يبحث كثير من المرضى عن حل سحري للتخلص من معاناتهم، وبعضهم يتمنى لو تعرض للمسة سحرية تسحب من جسمه الألم أو المرض أو الموت بين عشية وضحاها.
وبعيدًا عن مثل هذه الأمنيات والتخيلات والأساليب التي لا جدوى منها، دعونا نضع بعض المعالم والحقائق العلاجية التي نرجو أن تساعد على حل مشكلة هذا المرض أو ذاك، فكما يقال إن معرفة حقيقة المشكلة هو نصف الحل، ولعل النصف الثاني هو التخطيط واتخاذ الخطوات التي من شأنها حل المشكلة.
لكن المشكلة هي أن الكثير من الأمراض التي يصاب بها الإنسان لا يوجد لها حتى الآن علاج ناجع في الطب الحديث.
إذن، ما جدوى مراجعة الأطباء ونفقات المعالجة والمستحضرات التي توصف للمريض؟
هناك العديد من الوسائل الطبية الطبيعية التي تساعد على مواجهة الأمراض وأعراضها المختلفة، كما تساعد في حالات دقيقة على معالجتها، فقد ثبت أن الأغذية والنباتات والأعشاب الطبيعية هي أساس الكيمياء، ومن ثم فإن لديها القدرة على تعويض النواقص الفسيولوجية، فلماذا نتجاهلها؟!
من هنا تأتي فاعلية العلاج بالوسائل الطبيعية من كونه منشطاً ويساعد الجسم والأعضاء المصابة على حصار المرض والتغلب عليه دون تعريض الجسم للخطر.
ولا يعد المعالج بالطب الطبيعي الأعراض هي المرض، ومن ثم لا يعتبر التخلص منها علاجًا للمرض ويرى أن السبب الحقيقي الكامن وراء المرض أبعد من السطح الظاهر وأن الطبيب إذا عالج الأعراض فإنه يقمعها بينما المفترض أن هذه الأعراض ستساعد الطبيب على الوصول إلى السبب الحقيقي لظهورها، وهو ما يتطلب البحث عن مصدرها بدلاً من التخلص منها.
هناك العديد من الوسائل الطبية الطبيعية التي تساعد على مواجهة الأمراض وأعراضها المختلفة، كما تساعد في حالات دقيقة على معالجتها، فقد ثبت أن الأغذية والنباتات والأعشاب الطبيعية هي أساس الكيمياء، ومن ثم فإن لديها القدرة على تعويض النواقص الفسيولوجية، فلماذا نتجاهلها؟!
استخدام الحبوب والعقاقير الطبية يؤدي إلى آثار معاكسة، يجب إعادة النظر واختيار الأفضل، والأخطار الصحية المحتملة تجعلنا نتوقف قليلاً بمعقولية والتركيز على جوانب أخرى لها فعالية وأمان فسوف تتحسن فرص الشفاء بعيدة عن الدواء.
وقد خلصت التقارير العلمية الحديثة إلى أن الأدوية الكيميائية إن شفت عرضًا لكنها لا تشفي مرضاً، لذلك تحولت الأمراض إلى أمراض مزمنة، وظهر الاتجاه القوي نحو العودة للطبيعة.
دعونا نبتعد عن العموميات ونقترب أكثر لشيء من التفصيل حول ما يسمى الأمراض المزمنة، ولعل أولى النظرات الأكثر دقة هو ما ترتب من معاناة لأكثر من 3 ملايين مصاب بالسكري حالياً في المملكة العربية السعودية حسب تقديرات منظمة السكر العالمية، حيث أصبح المرض مستوطناً مقيماً شغل حياتنا اليومية، ومس حبنا للحياة، وخوفنا من المرض، وقد تبين أن حوالي 90% من مرضى السكري لا يحسنون السيطرة على مرضهم وخصوصاً عندما يكتشف الشخص فجأة إصابته بالسكري، وأن المعلومات التي لديه غير كافية حيال طبيعة التعامل مع المرض سوى أنه مرض مزمن وسيلازمه مدى الحياة!!
كيف يحدث مرض السكر؟ وما هي جدوى هذه المستحضرات التي يتناولها المريض؟ ولماذا أصبح هذا المرض مزمناً؟
الحقيقة هي أننا نولد ولدينا المقدرة على تذوق الطعم الحلو، فحليب الأم طعمه حلو، وكذلك ماء الجلوكوز الذي يعطى للمواليد في حضانة المستشفيات أيضاً طعمه حلو، وهذه التجارب الحلوة منذ الصغر تجعلنا نريد مزيداً من السكر، كما أن الحلو أصبح جزءاً مكملاً لحياتنا، فقد ارتبط بالمشاعر الجيدة وبالأحاسيس الإيجابية، وكلما كان الإنسان راضياً عن محيطه وواقعه، كلما كثر استهلاكه للحلوى.
رغم تحذيرات العلماء من الإفراط في استهلاك الحلوى، إلا أن التعود على أمور بسيطة في حياتنا الغذائية قد يسبب لنا مشكلات صحية صعبة! السكر مثلاً.. كم ملعقة سكر نأكل يومياً؟ مكعبات السكر الذي يحلى به الشاي والعصير والسكر الموجود في المشروبات الغازية، وكذلك الموجود في الحلويات و.. و.. إلى آخر القائمة المعروفة، والسؤال مرة أخرى كم ملعقة سكر نتناول يومياً؟ ماذا لو خفضنا الكمية ولا نقول ننحذفها
إطلاق كلمة مريض على من يعاني السكري من النوع الثاني غير دقيقة، لكونه يعامل معاملة الصحيح، والتوصيات الحديثة تؤكد رفضها لهذه التسمية ولكن الاستخدام هنا من باب التجاوز فقط، فالسكري ليس مرضاً بذاته، وإنما هو حالة اعتلال تقود لعدد من الأمراض، ولا بد من التأكيد هنا بأن الاعتلال أو الاضطراب الذي يحدثه المرض في جسم المريض ليس ارتفاع سكر الدم فقط، وإنما ارتفاع سكر الدم ما هو إلا مؤشر لوجود السكري، وحقيقة الأمر أن الاضطراب يشمل اضطرابات في إفراز الأنسولين، والأنسولين مسؤول عن تنظيم دهون الدم وتخزين الدهون في الجسم بالدرجة الأولى، كما أن له دوراً في تنظيم بناء العضلات ودمج البروتينات الغذائية للعضلات أو تحللها، كما أن له دوراً في التخلص من سكر الدم والحفاظ عليه في مستوى معين، ومعنى هذا الكلام أن من يعاني السكري يعاني اضطرابات في دهون الدم وتحلل العضلات بالدرجة الأولى، والمؤشر على ذلك الاضطرابات في مستوى السكر في الدم، هذه الاضطرابات التي تحدث في جسم مريض السكري تزداد كلما أكل دهوناً أو بروتينات أو حلويات، وكل اضطراب من هذه الاضطرابات يقود إلى مشاكل صحية خطيرة.
ما يحدث في جسمك عند الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات، والنشويات، والسكريات هو زيادة السمنة والسكري.
بنظرة تأملية لعمل السكر في الجسم عند لحظة تناولنا لمادة سكرية أو مادة غنية بالكربوهيدرات ينتج الكثير من الجلوكوز، وبعد ذلك يتم إطلاق هرمون الأنسولين وهو يعمل على هيئة مفتاح يساعد على فتح الخلايا لتمتص الجلوكوز وتتم إزالته من مجرى الدم وحرق للطاقة.
كل ما كثر الجلوكوز بالدم زاد إفراز الأنسولين، وبعد ما يتم الهضم تأتي إشارة إلى البنكرياس بالتوقف عن إنتاج هذا الهرمون لأن العملية انتهت وتم الانتهاء من هضم السكر أو هضم الوجبة، ولكن سرعان ما تأتي وجبة أخرى أو مضغة أخرى ويعطى إشارة من جديد وإفراز جديد، وهكذا تعودنا على عدم الانتظام في تناول الوجبات الغذائية وكثرة المضغ، وهذا يعني أن يظل البنكرياس يُعطي مزيداً من الإشارات وبالتالي يفرز المزيد من الأنسولين.
كيف يصاب الإنسان بالسكري من الدرجة الثانية؟
إن تكرار الوجبات الغذائية وتكرار عمليات المضغ في أوقات متقاربة يؤدي إلى إشارات عديدة بالإفراز، ونفقد إشارة التوقف ويصبح بذلك البنكرياس في حالة إفراز مستمر لهرمون الأنسولين، وسيأتي يوماً يتعب فيه البنكرياس ويقل المجهود بالتدريج، فيرتفع معدل السكر في الدم، وهنا نقول إن الشخص أصبح مريضاً من النوع الثاني، عندها يخبر الأطباء مرضاهم بأن مرض السكر النوع الثاني هو مرض مزمن وسيلازمهم مدى الحياة فيجب أن يتعاملوا معه على هذا الأساس، لكن الحقيقة غير ذلك.
إن مرض السكر النوع الثاني هو مرض مقاومة الجسم لهرمون الأنسولين، هذا يؤدي إلى ارتفاع السكر في الدم، وهذا عرض للمرض وليس المرض نفسه، والمرض هو مقاومة وعدم إحساس الجسم لهرمون الأنسولين – ولكن الأدوية التي تعطى كلها موجهة لزيادة سكر الدم، وقد خلصت التقارير العلمية الحديثة إلى أن الأدوية الكيميائية إن شفت عرضًا لكنها لا تشفي مرضاً، لذلك تحولت الأمراض إلى أمراض مزمنة، وظهر الاتجاه القوي نحو العودة للطبيعة.
الأدوية لا تفعل شيئاً في المرض بحد ذاته إنما تعالج ارتفاع سكر الدم، لكن ارتفاع السكر هو ليس المرض بل هو مجرد عرض، وللتوضيح نقول: فلو عندك مثلاً تلوث جرثومي في الساق فعليك معالجة ذلك الالتهاب الجرثومي، وسببه بكتيري – نعالجها بالمضادات الحيوية – ولكن هذا الالتهاب الجرثومي قد يصيبك بالحمى، ولكن هذه الحمى ليست المرض ولكنها عرض للمرض، هذا ما فعلناه لمرضى السكر النوع الثاني، نحن نعالج ارتفاع سكر الدم ولكن ارتفاع السكر هو ليس المرض بل هو مجرد عرض، إنه مرض مقاومة الجسم لهرمون الأنسولين، ولأننا لا نعالج المرض بل العرض، فالمرض يزداد سوءاً.
والحل هو في إخراج هذا السكر أو تخفيضه، لذا عليك التخلص من السكر عن طريق التخلص من كل الكربوهيدرات المصنعة “المكررة”، والتي هي مجرد سكر مثل الأرز والخبز والمكرونة والمعجنات، هي سلاسل من السكريات المعقدة، فأول ما نأكلها وتهضم تتحول إلى سكريات بسيطة.
إن الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات، والنشويات، والسكريات هو المسؤول الأول عن زيادة السمنة والسكري، فالمريض في هذه الحالة هو طبيب نفسه في معرفة الأطعمة التي تناسبه، يمكن التقليل من السكريات أو الأطعمة الغنية بالسكريات عن طريق تجنب جميع المشروبات الغازية المحلاة وجميع المشروبات والعصائر المصنعة وجميع المنتجات التي تحتوي على سكريات مثل عسل الذرة، والمربيات المحلاة، والكيك والفطائر المحلاة، والدونات، والآيسكريم، والمعمول، ورقائق الذرة المحلاة، والحلويات الشرقية بأنواعها والشوكولاتة والجلي وأي منتجات مصنوعة من المحليات الاصطناعية.
ما الحل إذن للخروج من هذا السباق المدمر المجنون؟
منذ سنوات وبفضل الوعي الطبي، أخذ الباحثون يفتحون طرقاً جديدة أكثر عقلانية وأقل هدراً لاستعمال الأدوية والمضادات الحيوية، بحيث يتم الاعتماد أكثر فأكثر على تحفيز المناعة في الجسم قبل بدء العلاج بالأدوية الصيدلانية.
ويمكن التخلص من السكر في 3 خطوات فقط:
– خطوة 1/ تناول وجبات منتظمة وعدم الأكل بين الوجبات، إن نظام تناول ثلاث وجبات من الطعام في اليوم هو أفضل نظام غذائي للجسم، إلا أن مشاغلنا الحياتية حرمتنا من وجبة الغذاء، فقد يصب في مصلحة مرضى السكري – غير معتمد على الأنسولين – من هنا يبدو أن نظام الوجبتين لمن يعاني السكري مفيد ليرتاح البنكرياس من فرز الأنسولين.
إن الصورة العملية لمن أراد الصحة والحيوية البعد قدر الإمكان عن الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات، والنشويات، والسكريات، المسؤول الأول عن زيادة السمنة والسكري، واتباع نظام غذائي بشرط أن يكون متزناً، ويتم الاستعانة بالطبق الصحي لتحديد النظام الغذائي لكل مريض بالسكري على حدة، بحيث يتمشى مع الحالة الغذائية للمريض ومع نمط حياته، مع مراعاة مكونات الوجبة (ماذا تأكل؟)، والطاقة الكلية لكل وجبة (كم تأكل؟)، ومواعيد الوجبات (متى تأكل)، ويجب أن تحدد أوقات الوجبة الرئيسية بحيث تتماشى مع النشاط الجسماني وكمية الطعام من مجموعات الطعام الأساسية المختلفة يوميًا، و يجب مراجعة النظام الغذائي وضبطه عند الضرورة على الأقل مرة كل 6 أشهر.
– خطوة 2/ نستطيع حرق السكر بفعل النشاط الرياضي، وقد تبين أن أهمية ممارسة النشاط البدني عند معظم المرضى في تحسين مفعول الأنسولين، أي أنها تحسّن من نسبة التحويل الغذائي للسكر في خلايا العضلات، وهو ما يعاني مرضى سكري النوع الثاني عادة من قلة حدوثه، ويوصي الباحثون بممارسة إحدى رياضات القوة كبديل عملي لتمارين التحمل التي يبدو أنها لا تستهوي مرضى السكر لأنهم لا يتحملون طولها.
– خطوة 3 / الصوم حقيقة هو أكثر كفاءة وفعالية لمريض السكري من النوع الثاني، فلو نفكر ماذا يحدث هنا للصائم، إن الجسم سيبدأ بحرق ذلك السكر، وهذا بالضبط ما يحدث خلال فترة الصيام، إن الأنسولين سينخفض، وهذا بالضبط ما نريده، ما نفعله أننا نحرق كل ذلك السكر ونخرجه من النظام، ونحن لا نخرجه من الدم فقط بل نخرجه من الجسم كله، ولذا الصيام يخفض الأنسولين ويخفض السكر.
ختاماً، ارتفعت وتيرة القلق يوماً بعد يوم من الإستخدام الواسع للأدوية المصنعة، وتحت وطأة الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجاً طويل الأمد، هي مسألة تبدو أكثر تعقيداً، فقد احتلت المساحة الأكبر في سوق الدواء، مسجلة فاتورة هائلة أكثر بكثير مما تظنون !!
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.