أي فقدٍ ذاك الذي هز أرضكِ يا قطيفنا الحبيبة وما عرفناكِ إلا شامخةً تأبين الارتخاء، بَيد أن مصابك هذه المرة كان عظيمًا قد اقشعرت لها الجلود وأدمى فيه الأفئدة ونحن أبناؤكِ يا والدة نصرخ بأعلى ما في حناجرنا كفانا كفانا من البكاء بكاء، وكفانا هذا التوشح بالسواد، فلنا عام ونيّف لم نمسحِ الحزن عن وجوهنا، ولم تجفْ فيها دموعنا على حبيب، لم نرسم ضحكةً صادقةً على شفاهنا نسينا أرواحنا بالأرض إذ كثرت أرواح الأحبة الصاعدة للسماء.
بذاكرتي يمر الذين كانوا حولنا بالأمس القريب، هجرونا دونما سابق إنذار، ولم يتركوا لهم أثرًا أو أي عنوان.
وإنك يا سيد الطيبين تشبههم في الرحيل، مشيت على أثرهم ومضيت مع القدر فخطفتك براثن الموت على حين غفلة، وعلى غفلة منا أقيم فيك العزاء، وارتفعت الأصوات من جديد وبلغت الهتافات مبلغها ألا (إنا لله وإنا إليه لراجعون) و(المرجع لله)، نعم هذه الكلمات التي نقرأها على أرواح الراحلين من عالمنا فهل هم راحلون إلى الأبد؟!
أبا فاضل استعجلت الذهاب وتركت لديارك وأهلك مقاعدك ومناصبك وآليت الرحيل، وأنا التي كنتُ أستبشر من وجودك المشرق خيرًا وكيف لا وأنت من سندتني يوماً ودعّمتني ووجهتني حتى أتم مشواري في عالمي الفني الجميل، كلما اشتدت عليَّ شدة لجأت لك فلم تردني يومًا خائبة، كنتُ تفاخر بي أمام الجميع بالمحافل الفنية يا عم، وتعتز بانتمائي لصرح اللجنة، تنادي عجِّلي يا (ذكريات) ولتفتتحي معرضك فأبتسم ابتسامة من قلب السعادة لأن العالم لا يزال بخير مادام هناك أنقياء أمثالك يا أبا فاضل، أبتسم لأنك الجود، والكرم أنت والذي تجسّد على هيئة إنسان، هذا السكون القابع في أعماق شخصك النبيل، هذا السلم الداخلي في نفسك لا يتكرر منه اثنان، فماذا أقول يا عم ساعة الافتتاح: خذلتك؟! فما أصعب خذلان الراحلين.
يابن القطيف يا أيها الوفي الأصيل انهض فلم تحن والله ساعة الوداع ولم نستعد لهذا الوداع، انهض كي تنظر كم كنت غنيًّا بحُب الناس وتقديرهم لأمثالك، وأمثالك يا أبا فاضل لا يموتون (بل أحياء عند ربهم يرزقون) فالخيِّرُ لا يموت.