{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١].
شاقةٌ وطويلةٌ هذه الرحلة، يصعب وصفها لأنها تفوق مخيلتنا وجميع تصوراتنا.
نحتاج فيها إلى زاد كبير يكفينا، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} [الشعراء – ٨٨] لها عقبات كثيرة صعبة، ومحطات مرعبة.
فعلى حافتي هذا الصراط: (صلة الرحم والأمانة) إن نجونا منهما قد تحبسنا (الصلاة) التي هي عمود الدين وأساسه. ولا يمكننا العبور إلا (بولاية) الرسول وعلي وأهل بيتهم صلوات ربي عليهم، من عرفَهم في الدنيا واقتدى بهداهم مرّ على الصراط.
ورد في حديث (مفضل بن عمر) يقول: سألت الإمام الصادق “ع” عن الصراط فقال: “الصراط: الطريق إلى معرفة اللّه سبحانه وتعالى، ثمَّ قال عليه السلام: هما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، فأمَّا الصراط الذي في الدنيا، فهو الإمام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرَّ على الصراط الذي هو جسر جهنَّم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلَّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردَّى في نار جهنَّم”.
– فمن الآن ونحن في هذه الدنيا (نسير على الصراط) لأنه ممتد من الدنيا إلى العقبى، لكلّ منا صراطه الخاص به، (وباطن) هذا الصراط يظهر في ذلك العالم على قدر المارّين عليه فيكون نُورهم يسعى بين أيديهم بحسب أعمالهم.
•• اختلف المفسرون في معنى كلمة (الورود):
هل هو : (الدخول) أو (المرور والحضور والإشراف عليها)؟
وحاول كل فريق أن يبرز أدلته التي تؤيد كلامه، سواء عن طريق الآيات أو الروايات.
•• المعروف لدى أكثرنا أن الورود على النار هو بمعنى (القرب منها والإشراف عليها) فقط من غير الدخول فيها، ويكون هذا المعنى هو نفسه تفسير (الصراط): أي الجسر الذي يمُر على جهنم وعلى الجميع اجتيازه وعبوره، فتزل أقدام المجرمين ويَتَردّون في النار، أما المؤمنون فيجتازونه بسرعة البرق ويدخلون الجنة.
•• وهناك تفسير آخر يُرجّحه أغلب المفسرين وهو أن: (البر والفاجر يدخلان جهنم)، ودخول النار غير مُلازم للدخول في العذاب؛
١- لأن النّار لا تشمل كل مواقع العذاب، والدليل أننا نجد خزنة النار موجودون فيها، ولكنهم لا يَصْلَون نارها ولا يذوقون عذابها.
٢- (أو لأنها تصبح برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم “ع”، فالنار لا تحرق أجسام المؤمنين بسبب عدم سنخية هذه الأجسام مع النار، فيكون حكم أجسامهم كحكم المواد التي تخمد النيران في حين أن سنخية الكفار تتلاءم مع النار كمثل المواد المساعدة على الاشتعال). (١)
وإكمال الآية يؤكد هذا المعنى، يقول تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}. [مريم – ٧٢].
حيث الظاهر من المعنى هو إخراج المتقين من النار بعد دخولهم، ويبقى الظالمون فيها.
وروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري أن رجلًا سأله عن هذه الآية، فأشار جابر بإصبعيه إلى أذنيه وقال: صُمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله (ص) يقول: “الْوُرُودُ: الدُّخُولُ، لا يَبْقَى بَرٌّ وَلا فَاجِرٌ إِلا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلامًا، كَمَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، حَتَّى إنَّ للنّاسِ ضجيجاً من بَردِها”.
وقفة:
قال الرسول الأكرم: “إن النار تقول للمؤمن يوم القيامة جُز يا مؤمن فلقد أطفأ نورك لهبي”.
يا ترى ما هو السر في انطفاء لهب النار للمؤمن؟
السر في انطفاء لهب النار للمؤمن أن له نصيبًا من نورانية العقل، وبمقدار هذا النصيب يكون المؤمن قادرًا على إطفاء لهب النار التي يمثل الغضب والشهوة صورتها الدنيوية، ولأن المؤمن لا يتمتع بعقل كلي، وفيه شائبة الطبيعة ولوث الدنيا، فلا يغلب من نور عقله على لهيب ناره إلا بمقدار سلوكه ورياضته.
أما أصحاب العقل الكلي وحضرات الأولياء الكُمّل ـ عليهم صلوات الله ـ فقد ورد عنهم قولهم “جزنا وهي خامدة” (٢).
وللحديث بقية
كونوا من المنتظرين.
المصادر
١- كتاب نفحات القرآن للعلامة المحقق الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).
٢- كتاب المعاد في نظر الإمام الخميني.