
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
عظم لنا ولكم الأجر جميعاً أيها الأحبة في فقدنا لهذا الإنسان العملاق الرصين، والقائد الاجتماعي الصادق الأمين.
المهندس عباس الشماسي ذلك الإنسان الرائع الجميل الهادئ المفعم بالحيوية، بل هو من يمد الحيوية الحركة ويجعلها تنتشي بهمته التي لا تهدأ ما دامت في سبيل خدمة مجتمعه ووطنه.
فاجأني وأحزنني تلقي خبر وفاته، وهو في أوج عطائه وحاجتنا لوجود أمثاله من القادة والنشطاء الحكماء، وأصحاب المواقف والرؤى التي تفتخر بها أرض القطيف.
رجلٌ قل نظيره في نظرته الثاقبة وحكمته النافذة التي جعلت للعمل الاجتماعي وزناً، ومنحته أطراً متجددة من خلال مسيرته ومشاركاته الإدارية والإشرافية المتعددة في مواقع الخدمة الاجتماعية سواء في الجمعية أو المجلس البلدي وغيره.
ثقلٌ لا يُستهان به بين رجالات منطقة القطيف ومفخرة من مفاخرنا التي نعتز بها وستظل ذكراه ماثلة أمامنا في كل نواحي الأنشطة الاجتماعية التي ستقام بعد فقده رحمه الله.
ولا يسايرني أدنى شك في أن ميراث الحب الذي خلّفه بعد فقده في قلوب الناس أقارب وأباعد، أغنياء وفقراء، علماء ومثقفين، لهو أكبر دليل على أنه بوتقة من الخير والعلاقة الحسنة مع الناس يتشرف بها كل من عاشره والتقاه من بعيد أو قريب؛ فعليك ملايين الرحمات يا أخانا الأكبر الغالي وأقر الله عينك بما وعدك الله من الجنة التي أعدها للمتقين أمثالك الذين سعوا في خدمة الناس فكان سعيهم مشكورًا.
تعرفت على المهندس عباس (رحمه الله) قبل نحو 20 سنة حين كنت سكرتيراً للجنة التأهيل والتوظيف بجمعية سيهات الحبيبة برئاسة المهندس قاسم الصيود، وكنا حينها نقيم ملتقيات للتوظيف بمشاركة لجان التوظيف التابعة لجمعيات المحافظة بما فيها جمعية القطيف الرائدة. حيث سيقام ملتقى للتوظيف فيها، وعلينا جميعاً كلجان أن نتعاون لتجهيزاته وترتيباته الفنية والسكرتارية، فكان عملنا على قدم وساق وبشكل منظم جميل، وكنا نلحظ شخصًا ما يبادلنا الملاطفة والكلام الطيب والمحفّز، وبكل تواضع يربت على أكتافنا ويتحدث معنا وكأنه واحد منا لم نلحه أبدًا أنه يحدّثنا من منظور كونه رئيس أو وجيه أو ثري أو أنه شخصية ذات مستوى راق من طبقة معينة، فعرَّفنا عليه الأخ العزيز رفيق درب العمل الاجتماعي الأستاذ/ زكي العبدالجبار بأن هذا رئيس مجلس إدارة جمعية القطيف المهندس عباس الشماسي، قلت في نفسي: ما شاء الله هنيئاً لكم بهكذا رئيس ابتسامته تكفي لأن يلهب فيمن حوله روح العمل والإنجاز، فما بالك بكلامه الذي يرطب القلوب وتواضعه الذي يبهج النفوس.
التقيته بتلك الروح الأبوية الحانية، والنَفَس القيادي المتزن الذي يزرع فيك الشعور بالثقة والسعادة، ووالله إني أحببته من أول لقاء واحترمته وأجللته وأكبرته من خلال كلامه الرطب الجميل وابتسامته العريضة الرائعة المحفزة لنا كشباب هدفنا الخدمة الاجتماعية وبذل الجهد من أجل أن ينجح الملتقى الذي نحن عازمون عليه، فكان يقول لنا: الجمعية جمعيتكم يا شباب وكل الغرف متاحة لكم حتى غرفة إدارة الجمعية مفتوحة لكم، الله يعطيكم الصحة والعافية، وأي شيء تحتاجونه الجماعة ما بيقصروا معاكم أبداً وأنا بخدمتكم في أي وقت.
وكان يغدق علينا بكرم عطائه المادي والمعنوي، وأقولها بحق إنه قائد استثنائي بكل ما للكلمة من معنى، وأنا بشكل خاص وجدت منه اهتمامًا كناشط اجتماعي مستجد على ساحة العمل ضمن الجمعيات الخيرية الرسمية، حيث أثنى على دوري في العمل السكرتاري الذي قدمته وأثنى على مقترحي بعمل موقع إلكتروني مشترك بين لجان التوظيف بمحافظة القطيف على الإنترنت تتضمن قاعدة بيانات بالعاطلين، ويكون لكل لجنة (جمعية) اسم مستخدم وباس وورد خاص بها تستطيع النفاذ والعمل من موقعها، فقال لي ممتدحًا: سيدنا فكرتكم رائدة ومفيدة جداً أتمنى أن تعملوا على تنفيذها مع الإخوة، ونحن بالخدمة وأي حاجة تحتاجونها ستجدونها، واعتبر جمعية القطيف جمعيتك، ومجلس الإدارة بخدمة أي أفكار تطويرية تطرحها، ولو أننا في اجتماع مجلس إدارة وأردت الدخول علينا والحضور معنا فاعتبر نفسك واحدًا منا.
فألف شكر لك أيها الإنسان الجميل وناثر الورد وناشر الطيب وزارع الخير والثقة في نفوسنا كشباب نحتاج إلى التشجيع والتحفيز والدعم لننهض بالأعمال التطوعية والاجتماعية وتطويرها لتتكامل مع رؤيا الخير والنماء 2030.
وتوالت المواقف واللقاءات الجميلة معه على مدى السنوات الماضية، ولأن أعمال الإنسان الطيبة هي ما تثبت سيرته الحسنة الجميلة بين الناس فلا غرو أن أذكر لكم موقفه الأجمل معي بعد أن أصبحت ناشطًا اجتماعيًا مستقبلًا وأنشأنا مع مجموعة من المتطوعين والمتطوعات ملتقى التطوير الاجتماعي بسيهات، فحين كنا على وشك النهوض بإقامة مهرجان (يوم بر الوالدين) 21 مارس في نسخته الأولى عام 1435هـ -على ما أذكر- في متنزه سيهات، كنا بحاجة للكثير من التجهيزات والأغراض والإمكانات التي لا يمكننا تحصيلها بسرعة وبشكل خيري إلا من خلال أفراد مقتدرين ونافذين أو مؤسسات رسمية مستعدة للتعاون معنا بتوفيرها، وكان الوقت ضيقًا، فاتصلت بالمهندس عباس -رحمه الله- وأطلعته على مدى احتياجنا لمجموعة من الأغراض، فتلقانا بأجمل ترحاب وتعرف على المبادرة من خلال توصيفي لها، وسعد كثيراً وبادرني بالقول: لا تشيل هم سيدنا الجمعية وإمكاناتها وأنا شخصياً تحت أمركم.. شوفوا إيش تحتاجون وبرسم الخدمة تصلكم إن شاء الله إلى محلكم بسيهات. حينها علمت أن لله جنودًا حقيقيين لا يستخفون بالمبادرات النافعة مهما كانت متطلباتها، ما دامت ستفرح قلوب الناس وتسعدهم، ولا يضعون أمامك عراقيل وعوائق بل مجندون لخدمة المجتمع سواء بشكل رسمي أو أخوي أو بوساطة تكفيك صعوبة الأمور وتسهلها دون قيد أو شرط.
المهندس عباس رحمك الله أيها الإنسان الرائع، إنسان يقدر معنى أن تكون متطوعاً لخدمة المجتمع ويهبك القوة ويهديك البسمة. إنسان يقدر الإنسان لإنسانيته وليس لجنسه ولا عرقه أو مذهبه أو خطه -كما يقولون.
إنسان تتشرف أن تعمل معه وتحت رئاسته وأنت مغمض العينين وفي حالة من الاطمئنان الكبير. فرحمة الله عليك أيها الرجل الثاقب والحكيم النافذ.
وسلام الله على روحك الطيبة الطاهرة التي صعدت إلى بارئها بكل اطمئنان وسلام راضية مرضية، لتجد لها قصراً مشيّدًا مع المخلدين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.