وجيهة أسطورة التضحية

ينتابني منذ البارحة شعور غريب شعور يفوق كل أحاسيسي، وأنا أحاول استنهاض ذاكرتي من سباتها حيث لم أفقد ذاكرتي بعد! نعم ما زلت أتذكر تمامًا رحيل والدتك الفاضلة والتي أورثتك إرثًا لاتخاذك على عاتقك إخوانك الستة وهم صغار وبعدها تكرر الحدث وتحملتي مسؤولية أخواتك الثلاثة غير الشقيقات وهم صغار أيضًا! يا إلهي أشعر أن سقف صدري يكاد أن ينخلع وأنا أسرد هذه الرواية التي لن تنتهي بعد، فلا أكاد ألحق تذكر الحدث حتى تتوالى أحداث أخرى معك! فليعذرني القارئ ذو الحس الإنساني فإن إحدى الأخوات الثلاث قد رحلت أيضًا وتركت ثلاثة أطفال شاء القدر قبل أن تنام ليلتها الأولى في نزلها الجديد ليبدأ مشوار وجيهة مرة أخرى، وماذا بعد يا زمن!

وهنا تشغلني فكرة استحضار كلمة في حقك أيتها المؤمنة الصابرة، وتستوقفني أسئلة ما، بعد أن ساد صمت مريب للحظات، سرعان ما تبدد وتحول إلى أن استميحك عذرًا أيها الحزن المنطوي على قلبك يا وجيهة يا ذات الوجع المعبأ بالإيمان اقبلي عذري، فأنا هنا سأتحدث معك وعنك يا عزيزتي وجيهة.

فمنذ سنين عمرك والحياة معك كما هي سوى أحداث موجعة ومسؤوليات فوق العادة! اتخذت وصفًا استثنائيًا لك! أنت إنسانة عافت نفسها الدهشة وجبلت على اعتياد كل شيء! لم يتغير شيء في إنسانيتك النبيلة، ولكن ما أتفق عليه أنا بلا استثناء أو جدال هو ما حدث صباح الخميس من أمر لم يألفه أحد من قبل ولم يخطر على البال، حين قرأت خبرًا مفجعًا يخصك بفقدك أختك زينب وقد بدأ الضجر ينخر قلبي في لحظة الحدث ولكن أي حادثة هذه! وفاة شابة تجعل الكثير يتجاوز حدود الحزن الذي لا يحتاج لأي مبرر إلا أنت يا وجيهة أتخيلك تفسحين درب الزمن لشيء ما كأنه قائم بذاته قادم بسرعة لتتحملي عناء المسؤولية والمعاناة على كتفك من جديد!

ما هذا يا وجيهة ألمحك منذ زمن لا ترين الأشياء بألوانها أهذا هو قدرك وأنت الغارقة في المسؤوليات التي لا تنتهي، تحاولين أن تستجمعي قوتك ليستشف البعض ما أصابك من خطب عظيمة ومسؤوليات جسيمة، لا سبيل إلى ردها ولا خيار إلا بالصبر والاستسلام والإيمان بقضائه.

أنت أيتها الصابرة وجيهة لا تحزنِ ولا تبكِ! وأبواب السعادة الأبدية بانتظارك بعد أن تمكنت من إرضاء من رحل عنك وتحملتي المسؤولية عنهم، أما الراحلة الشابة السعيدة زينب فقد حلقت روحها في السماء وكأني ألمحها مختالة بفرح خفي وكأنها من تنتظر إطلاق سراحها وما حدث لها كان كل معاني الخلاص والسكينة والسلام.

شيئاً فشيئاً شعرت بهدوء غريب، بعد أن تحدثت معك وتناهى إلى سمعي صوتك الخجول الهادئ، فهالني ما لمست فيك من قوة الصبر والإيمان والسكينة رغم صعوبة وسخونة الحدث وكأنك في زمن آخر وكأنك راضية مستبشرة بشيء ما أجهله وأستفسر في سري من يدرك الجواب؟! هذا ما أردت قوله لك دون تعزيتك فأنت بحاجة للهدوء.



error: المحتوي محمي