في ليلة فاض الحنين بها بين بعض المغتربين القدامى الذين كانوا مبتعثين إلى الدراسة في دولة كندا، جرى الشعر على لسان فاضل الحميدي ليعبر عن حبه وحنينه لوطنه الثاني فجادت قريحته بما يلي:
ما زلت أحمل أوهامي على كتفي
حتى تقوّس ظهري والمشيب بدا
تكاثرت فيّ أحلامي وضاق بها
رأسي فضاعت بطيّات الزمان سدى
مشتتٌ صرت حيث الجسم في وطني
وخاطري لم يزل رهنا إلى كندا
مكبّلا عند مرساها يناشدني
متى سأحمل نحو الشاطئ الجسدا
ألم أكن أنحت الغابات في عضدي
لكي أراقص شلال الهوى أبدا؟
ألم أشكّل من قطن السماء فتى
لأقنع البرد أنّي لم أزل ولدا
ألم أغازل أيّارا وغيمته ال
حبلى بماء ربيعٍ تستثير ندى
مازلت أرقص يا تموز مبتهجا
يا أوّل الفرح الممشوق طول مدى
إنّ جاء تشرين غازلت الغصون به
وصرت أجمع من أوراقه عددا
أحببت كل فصول العام منتشيا
ما كاد يقبل فصلٌ إلا مددت يدا
كل التفاصيل لاحت في مخيّلتي
والذكريات أتت حتى غدت لبدا
لو أنّ لي بعد هذا البوح معذرة
لقلت إن فؤادي شاءها بلدا
أمّاه كم ليلة فاض الحنين بها
وكاد فرط بكائي يورث الرمدا
كم ليلة صحت يا أماه منكسرا
ولم يجب صوتي المبحوح منك صدى
كم ليلة هوّمت عيني على أملٍ
أن تبعثي مرهما أو تبعثي سندا
أشتاق أيامنا الأحلى التي رحلت
وكلّ طير على أيّامنا شهدا
أشتاق أن أطعم السنجاب فستقة
وأن أكون مع الأزهار متحدا
أشتاق ما تلبس الأشجار من ورقٍ
إذا تبستن فيها الوقتُ واجتهدا
يا مرفأ الروح قد ضلّت قواربنا
ولم أجد مرفأ كي أضرب الوتدا
مدّي يديك تكون الأرض بوصلة
تومي إليك لكي ألقى عليك هدى
فنقلها إلى مجموعة ملتقى سدرة الثقافي على تطبيق الواتساب ليشعل فتيل المجاراة مع ثلة من الشعراء فمنهم من يشاطر الشاعر حب كندا ومنهم من يرى في حبها ضياعا للمشاعر وما الحب إلا للوطن الأصل حيث بدأ المجاراة الشاعر المغترب سعيد المقيلي فكتب:
مَنْ لامَ عِشقيَّ ما ذاقَ الهوى أبدا
فما رأى كمداً من قد رأى كندا
أرضٌ تجذَّر فيها الحبُ واتسقتْ
أغصانُهُ الخُضرُ وانسابَ الأريجُ ندى
ضاعَ الخيالُ وبوحُ القافياتِ سدىً
إنْ لم يكن في رُباها شع متقدا
ليعيد جذوة الحنين في قلب الشاعر فاضل الحميدي فيجيبه
أعدت للشوق شريانا وأوردة
كأنه رغم هذا العمر ما بردا
ظننت أني قطعت الحبل واشتبهت
رؤاي حتى رأيت القلب متقدا
تعاقبت داخلي كل الفصول وما
شعرت أن حنيني نحوها بردا
أزورها الآن عن بعد فتسمعني
آمنت بالحبّ حتى صار معتقدا
فداخل الشوق قلب الشاعر السيد مصطفى الخضراوي لرؤية جمال تلك الحسناء الفاتنة التي يتغنى بها من التقاها فكتب:
من كثر ما قد سمعت اليوم من غزلٍ
كأنني بتُ أيضا أشتهي كندا
وأنني في رباها مغرمٌ ولهٌ
لا عذب الله قلبي حينما اعتقدا
ليشدّه الشاعر فاضل الحميدي من عضده ويدعوه للرحيل معه إلى كندا
لا عذب الله قلبا بات معتقدا
فقد رأيت عليها للفؤاد هدى
فاحزم حقائبك الأغلى ورافقنا
لن أوقف الركب إلا في ثرى كندا
لكن الشاعر السيد مصطفى سرعان ما أجرى حساباته وتراجع عن ترك معشوقته الأولى فكتب معتذرًا:
لا أستطيعُ فإن الحب قد ولدا
وفي القطيفِ أناخ الركب والجسدا
ولي هنا ألف ألفٍ لا أفارقهم
ولي هنا في ترابِ الأرض من لُحدا
لكن الشاعر فاضل الحميدي لم ييأس وحثه على الرحيل معه مذكرا إياه بأن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك مكة المكرمة ورحل لينير المدينة المنورة وهو امتداد جده ب
قد كان جدك في أم القرى زمنا
فجاء يثرب حتى نوّر البلدا
وأنت شبلٌ له والنور متّصلٌ
فإن مضيت معي أنرت لي كندا
فبدا السيد مصطفى قد اقتنع وهمّ بالمسير مع الشاعر فاضل الحميدي حيث كتب:
إن شئتَ يا فاضلٌ فلنهجر البلدا
ولنذهب الآن كي نسقيك من كندا
ولنمتطي الريح حبا كي ترافقنا
عينُ الإلهِ فلا زالت لنا سندا
لكن للشاعر الأستاذ إبراهيم الزين رأي آخر فهو لا يرى أن حبا يمكن أن يحل مكان القطيف التي أعطت قلبها لأبنائها وأرضعتهم حب النبي الأكرم وعترته الطاهرة فقال معترضًا:
الشعر يغري
ولكن ليس في كندا
ولا سواها
وإن زانت فمحض سدى
الشعر أحلى
إذا ما صيغ في بلدٍ
فيها انولدنا
فطابت للذي انولدا
طابت وطاب بها
العيش الكريم
وما تحوي من الناس
في فضل وخير هدى
فيها فطمنا
على حب الوصي ومن
ربي اصطفاهم
وما ساوى بهم أحدا
فما كان من الشاعر فاضل أن يوضح أن الشعر الذي جرى لا يمكن أن نلوي عنانه فهو يجري على القلب بلا أمر أو نهي وأن حب القديح ثابت مع حب كندا:
الشعر لا شيء إن تلوي له عنقا
فاض الحنين فكان الحب في كندا
الشعر كالماء مقرونٌ بشاربه
فمن يجد لذة يجد به مددا
أرض القديح لها حبّ أقدسه
لا أدعي أنني لا أعشق البلدا
فأكد الشاعر إبراهيم الزين على رأيه حيث قال :
لا ماء يلتذ
لا شهدٌ ولا عسلٌ
إلا من الأصل
يشفي طيبُهُ الكبدا
والشعر يلوي الهوى
طوعاً إلى بلدي
وإن غضضتُ
فإني أتقي الحسدا
اعشق كما شئت
إن العشق مرجعُهُ
أمٌ عُجنت بها
حضناً وملتحدا
وأكد على رأيه الشاعر السيد صادق الخضراوي الذي تغرب فوجد الغربة وإن كانت في كندا لا تطاق ولا يمكن أن تستبدل حب الوطن فشارك بموال له كما يلي:
مشتاق أنا وعالوطن لحظة رِدِت بس امر
وآقلّه: روحي إلك تامر علي بس امر
بالغربة ماكو فرح واتجرّعِتْ بسِّ مُر
والله الندى عد هلي مايُعتبر كَـ ـنَدى
سَلسال ولحن النِدا ماشَبّهه كَـ نِدا
أهوى القطيف بشغف لتظن أحب كَنَدا
وبالبِيض أبد ما هِمِت هايم ترى بالسمُر
وكاد الركب أن يصل بهم إلى منتصف الطريق لولا أن مد لنا الشاعر سعيد المقيلي طوق نجاة فأذكى الحديث بأبياته:
ماذا صنعتِ بهم بالله يا كندا
لا حدكِ الحدُ لا أفقٌ وبُعدُ مدى
فتقتِ أوردة الأشعار فانتفضتْ
بكِ القوافي ورجْعُ الشعر منكِ صدى
يا للحنين فقد أوقدتِ جمرته
وللقطيف جنينُ الشوق قد ولدا
أحببتُ غربتيَّ الخضراء باسقةً
كالنخلِ يفترش التاريخ والبلدا
فأضاف الناقد والأديب الأستاذ محمد الحميدي بعض الوقود بتأكيد التساؤل الذي طرحه الأستاذ سعيد المقيلي
ماذا صنعتِ بهم بالله يا كندا؟
فناشده الشاعر فاضل الحميدي كمن يطلب منه يد العون فقال:
خذني إليك ولا تخبر بنا أحدا
فلا يلام الذي قد جنّ في كندا
أنا الذي أكرمت مثواي واجتهدت
أن لا أضام فويل للذي جحدا
أحببتها لا أبالي ما يُظنّ بنا
من يزرع الحب يجني الحب إن حصدا
فعاد الشاعر إبراهيم الزين لينافح عن رأيه ويثبت في وجه من عشقوا كندا مخاطبا الشاعر فاضل الحميدي:
باليت أم لم تبالِ
يا أخي فهنا
فخرٌ وغير هنا
لن نشتري البددا
هذه القطيف بلادي
ليس يشبهها
في الأرض تربٌ
ولا في جنسها وجدا
أما ترى الشوق
في الأسفار حدته
تضني الفؤاد الذي
عن حضنها ابتعدا
ليس الجمال قياساً
بالورود ولا
بالبحر بل بترابِ
صار متحِدا
بترب خير عباد الله
من نسجت
أراوحنا بهمُ
واستوفت الرشدا
فلا وربي
وإن عانيت في بلدي
لن أبتغي غيرها
شعباً ولا بلدا
يوم هنا مثل دهرٍ
في البعيد وماذا
في البعيد سوى
أوهام من قصدا
ثم أدلى الشاعر الأستاذ صالح الدعيبل بدلوه فكتب:
ما للفؤاد وقد شاع الذي وئدا
واستمطر التيه مسلوبا بدون رِدا
هل في الوشوم التي تجتاحنا مدن
قد خطط الرسم في مضمونها كندا
فالريح إن هبّت على تابوتنا انتعشت
صور الخيال وفاض الشوق واتقدا
واختتم هذه المجاراة الشاعر الأستاذ سعيد المقيلي ببيت أخير كان لنا مسك ختام فقال:
هوِّن عليكَ فما صاغٍ كمن شهدا
هو الجمالُ وأنى رمتَه وُجِدا
وننوه هنا بأنه قد تخلل المجاراة بعض الهتافات التشجيعية التي ساهمت في شحذ الهمم وانطلاق الكلم.