
استوقفني خبر تصنيف بلدية محافظة القطيف لـ62 موقعاً كوجهات سياحية للسياح القادمين لزيارة المحافظة، وجاءت الأماكن البحرية في المرتبة الثانية من تلك المواقع بـ6 وجهات مختلفة في المحافظة.
وجاء اسم شاطئ “الرملة البيضاء” ضمن الواجهات السياحية، هذا الاسم المستحدث لساحل “الرفيعة” لم يذكره التاريخ في جزيرة تاروت، وإنما الاسم الحقيقي لذلك الساحل هو “ساحل الرفيعة” نسبةً للمنطقة التاريخية الأم التي تحمله “الرفيعة”، تلك المنطقة التاريخية التي تقع شرق جزيرة تاروت، وذكرها الباحثون الأثريون في كتب الآثار، لا مجال لذكرها في هذه المقالة ومنها: أن الإنجليز بنوا أقدم وأول مطار في السعودية والخليج العربي بعد مطار المنامة على أرضها خلال الحرب العالمية الأولى.
يعتبر ساحل “الرفيعة” الذي يقع شرق جزيرة تاروت حتى الماضي القريب من أجمل السواحل في الخليج العربي، إذ يمتاز برماله الذهبيه النظيفة ومياهه الضحلة والصافية، وكان لهذا الساحل أهمية فائقة عند بحارة الخليج عندما كانت مهنة الغوص لصيد اللؤلؤ أهم مهنة في زمن ما قبل النفط.
اكتسبت جزيرة تاروت في الماضي أهميتها عند بحارة الخليج لموقعها الجغرافي على الخليج العربي ووفرة المياه العذبة فيها، وكثرة منتجاتها الزراعيه على اختلاف أنواعها وفي مقدمتها الرطب والتمر وهما المصدران الرئيسيان في ذلك الزمن، ويعمد نواخذة البحر على إرساء مراكبهم عند “ساحل الرفيعه” ومن ثم يتجهون إلى مركز الجزيرة لشراء مؤونات رحلتهم والتزود بالمياه العذبة، ويقال إن عدد السفن التي ترسو على ساحل الرفيعة حينها يفوق الثلاثة آلاف مركب.
الكثير من المراكب إن لم يكن كلها كانت تحمل معها عِدَدْ الطرب كالطبول والدفوف والأواني الفخارية، وتأتي فترة الترفيه والترويح عن النفس بعد الانتهاء من التمويل باتخاذ الفنون البحرية وسيلة لذلك، وكان بعض أهالي جزيرة تاروت يتجمهرون عند الساحل للاستمتاع بتلك الفنون مثل الفجري، والبحري، والعدساني، والحدادي، والمخولفي، والحساوي وغيرها من الفنون البحرية.
بنى الإنجليز قبل الحرب العالمية الأولى بالقرب من ساحل “الرفيعة” مطاراً صغيراً استخدموه للأغراض العسكرية ونقل الطرود البريدية، وآثار ذلك المطار كانت عبارة عن غرف مبنية من الحجر والطين وصارية من الخشب تشبه صواري السفن الشراعية، ويعلق عليها مصباح لإرشاد الطائرات كانت حية شاهدة عليه حتى أواخر السبيعنات الميلادية، ولم يبقَ من تلك الآثار سوى غرفة واحدة كانت مستودعاً للوقود وتبعد عن المبنى نحو 600م، وتقع عند تقاطع طريق دارين القديم مع شارع الرياض باتجاه الغرب.
جزيرة تاروت تحيطها شطآن جميلة منها شاطئ الزور الممتد على طول الجهة الشمالية ويتلاقى مع شواطي المدن المستحدثة (تركيا والمشاري) ومن الجنوب شاطي دارين الذي يتلاقى مع شاطي المحيسنيات ومن الغرب الشاطي الذي يفصل جزيرة تاروت عن محافظة القطيف الأم ويربطهما جسر شارع الرياض ومن الشرق شاطئ الرفيعة (الرملة البيضاء) بالربيعية ويمتد إلى شاطئ سنابس الذي يمتد إلى شاطئ الزور.
في الماضي وحتى النصف الأول من السبعينات الميلادية لم يكن هناك جمارك أو أبراج مراقبة، وبعدها أنشئ مركز جمركي من “البورتابل” على أرض “الرفيعة” ولا تزال آثاره موجودة إلى اليوم، ولم يدم ذلك المركز طويلاً فتم إلغاؤه لانتفاء أهميته، ولم ينشأ بعده جمرك آخر في نفس المكان حتى يومنا هذا.
منطقة “الرفيعة” كانت خالية من السكان وكانت مكاناً آمناً لمختلف الطيور وبعض الحيوانات البرية التي كانت موجودة على أرض جزيرة تاروت في الزمن القديم، عندما كانت جغرافية الجزيرة ذات طبيعة غاية في الجمال ومحاطة بالنخيل ومختلف الأنواع من الأشجار وفيها بساتين يذكرها التاريخ ومياهها طبيعية، ومن أجمل العيون الطبيعية فيها كانت: عين العودة، وعين أم عريش، وعيون البساتين التي كانت تحيط بمسجد الخضر، وعين الصادق وسوامة، وعين السعودية في الربيعية، وعين الصفار، وعيون مزرعة الكويتي المجاورة لمنطقة “الرفيعة” وعيون بساتين الوزارة وعيون بساتين الشمال.
تغيير أسماء الأماكن لأسباب بسيطة مثل تغير شكل بيئاتها من أغرب الأمور، وإن الأمم الحضارية ترفض تغيير أسماء الأماكن التاريخية، وتفتخر بالعودة إلى أسماء الأماكن القديمة لدلالاتها التاريخية المهمة لمعانيها والمحافظة على الموجود فيها، وإن الكثير من أسماء المدن والمناطق في الشرق والغرب غُيرت لكنها عادت إلى أسمائها القديمة لأن التغيير سوف يفقدها رابطاً مع التاريخ وشظف العيش في الأزمنة التي مرت بها، ولذلك فإن الاسم القديم يجب تخليده ونقله للأجيال الحاضرة التي لم تعرف تلك الأحوال المعيشية.
ختاماً إن “الرفيعة” بساحلها الجميل شرق جزيرة تاروت كانت من المناطق التاريخية الجميلة، وزادها جمالًا اختيارها لتأسيس مبنى أول مطار على أرضها في المملكة العربية السعودية وفي الخليج العربي بعد مطار المنامة في البحرين، لذلك نتمنى من رئيس بلدية محافظة القطيف (المحترم) أن يغير الاسم المستحدث “شاطئ الرملة البيضاء” إلى الاسم الحقيقي للمنطقة التاريخية وهو: “شاطئ الرفيعة”.
ملاحظة: بعض المعلومات التاريخية في هذا المقال جاءت من أحد الأصدقاء فله الشكر الجزيل.