صديقك من صَدَقك لا من صَدّقك

الصداقة تعتبر من أسمى العلاقات الإنسانية، فهي العلاقة التي تربط بين شخصين أو أكثر، تقوم على أساس الثقة والمودة والتعاون والإخلاص، وعادةً ما تميل هذه الصداقة في الأغلب للاهتمامات المشتركة والأنشطة المشتركة، والصداقة رابط إنساني يربط هؤلاء الاشخاص بعلاقات لا تستنزف الجهد والطاقة.

وتعد الصداقة الحقيقية إحدى نعم الله عز وجل على الإنسان، وذلك لما لها من ضرورة حيوية في حياة الإنسان، وهي من إحدى أهم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس، فالإنسان قد خلقه الله عز وجل وأوجد فيه فطرة أن يكون اجتماعياً، أي أن هو ذلك الكائن الحي الذي لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يعيش منعزلاً عن الآخرين أو وحيداً دون مشاركة أفراحه وأحزانه مع غيره من البشر، ودون أن يكون موجوداً في حياته هؤلاء الأشخاص الذين يقفون معه في المواقف الصعبة ويقومون بتقديم الدعم اللازم له.

ولذلك فإن للصديق أهمية كبيرة في حياة أي إنسان، مما يفرض عليه أن يقوم باختيار الأصدقاء الذين يتمتعون بالصفات الحميدة والأخلاق الحسنة، والتي بالتالي سوف تنعكس عليه، والصديق الوفي جزء لا يتجزأ من حياة من حياة صديقه، وهو ذلك الشخص الذي يقوم بمشاركته في أدق وأصغر تفاصيل حياته وصولاً إلى تفاصيل حياته الكبيرة، وهو بمثابة كاتم أسراره الأمين، وذلك السند له في حياته.

فمخطئ من يظن أن الصديق الحقيقي هو الذي يرافقك دائماً على كل أفعالك حتى لو كانت خطأ ويثني عليك في كل الأحوال، بل هو الشخص الصادق معك، الذي يشد من أزرك ويقف معك في الشدائد، لكنه في ذات الوقت يقوّمك عندما تخطئ وتزل، وينبهك إلى مواقع الزلل التي قد تقع فيها، لا ذلك الذي يصفق لضلالك وتوافقك على كل أفعالك بكل أشكالها خوفاً منك ومن انفعالك.

فرحلة الحياة التي نعيشها ومنذ الولادة وحتى الممات والتجارب التي تخوضها تكشف الكثير من هذه الصداقات الكاذبة والزائفة والمقنعة وتفضح أصحابها.

فعندما يولد الإنسان يعيش في كنف والدية وعائلته ينمو ويكبر ويبدأ يكتسب من محيطه الصغير يعض التجارب واكتساب بعض المهارات والتي تشكل بعضاً من شخصيته المستقبلية، وعندما يكبر أكثر يبدأ في مخالطة محيطة الأكبر جيرانه وأقاربه وحارته فتزداد خبرته وتجاربه ويتعرف على أصدقاء جدد وخبرات ومهارات أكثر ومن تبدأ صداقات الطفولة وتتشكل بالرغم من أنها غير ناضجة بما فيها الكفاية.

ما بعد مرحلة الطفولة تبدأ مرحلة الشباب والدراسة ويبدأ الإنسان يوسع مداركه وعلاقاته فيزداد خبرة وتجارب ويكون علاقات أوسع تقوم على الاهتمامات والأنشطة المشتركة، فمن هذه العلاقات ما يدوم مدى الحياة ومنها ما سرعان ما يفقد بريقه وينتهي، ومع مرور الزمن تبدأ فلترة الصالح من الطالح من هذه العلاقات والصداقات بناءً على التجارب والمعاملات.

فهناك الكثير من الصداقات في هذا الزمن والتي لا يمكن حصرها في الأنواع التي سأذكرها والكثير منها ربما تغيب عني في لحظة كتابة هذا الموضوع الذي يمكن أن نكتب كتباً ومجلدات ولا يمكننا إعطاؤه حقه.
• صديق الطفولة: وهو ذلك الصديق صاحب الذكريات الجميلة الخاصة بمرحلة الطفولة وما بها من جمال وبراءة في حياة أي إنسان.

• الصديق الحقيقي: وهو ذلك الصديق الذي يجب على الفرد التمسك الشديد به، وعدم التخلي عنه بأي شكل كان، وذلك لأنه سيقوم دائماً بإرشاده إلى طريق الخير والصواب ويفتح له أبواب الخير، بل إنه هو أول من سيقوم بالوقوف في وجه صديقه وتقديم النصح له عند وقوعه في أي من الأعمال الخاطئة أو المحرمة سواء بالفعل أو بالقول.

وهو الذي ينطبق عليه هذا القول: “هو الذي يدعو لي غيباً ويتمنى لي الخير دوماً، وهو الصديق الذي يشد على يدك حينما يفلتها الجميع، شدَّ عليه بقلبك، وهو الصديق الذي تكون معه، كما تكون وحدك، أي هو الإنسان الذي تعتبره بمثابة النفس وهو الذي يقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت، ويسد مسدك في غيابك، وهو الذي ينصحك إذا رأى عيبك، ويشجعك إذا رأى منك الخير، ويعينك على العمل الصالح وهو الذي يرعاك في مالك وأهلك وولدك وعرضك وهو الذي يكون معك في السراء والضراء، وفي الفرح والحزن، وفي السعةِ والضيق، وفي الغنى والفقر، هو الذي يؤثرك على نفسه، ويتمنى لك الخير دائماً، وهو من يكون إلى جانبك عندما يرحل العالم كله عنك، وهو الذي يحافظ على العهد والوعد الذي بينكما عندما تختلفان”، وهذا النوع من الصداقة نادر جداً في هذا الزمان الذي تبدلت فيه المفاهيم والقيم.

• صديق المنفعة: وهو ذلك الصديق الذي يقوم بمصادقتك فقط من أجل الحصول على منفعة أو مصلحة معينة منك أو من خلالك سواء كانت هذه المنفعة أو المصلحة مالاً أو جاهاً أو ما إلى غير ذلك من أمور، إذا انقطعت تلك المنفعة بالنسبة إليه تنقطع صداقته بك على الفور، بل إنها من الممكن أن تتحول إلى عداوة، وللأسف فإن ذلك النوع السيئ من الأصدقاء موجوداً وبكثرة في عصرنا الحالي.

• الصديق المخادع والمنافق: وهو ذلك النوع من الأصدقاء الذي يتعامل مع صديقه في الظاهر بالحب واللطف، أما في باطنه فهو يخفي له البغض والكره، وهو بذلك يقوم بخداعه، وهو من أخطر أنواع الأصدقاء وأشدهم ضرراً.

• صديق المتعة: وهو ذلك النوع من الأصدقاء الذين يقومون بإدخال البهجة والفرح والسعادة إلى نفس أصدقائهم، وذلك بمجرد الجلوس معه والحديث إليه.

فبوجود صديق مرح وإيجابيّ حياته، فانه يخرج الجانب الطفوليّ والمَرِح والعفويّ فيه، إضافةً لجعله يشعر بالسعادة وإدخال البهجة لقلبه، ورسم الابتسامة على وجهه عند مقابلته؛ لان شخصيّته مرحة ولطيفة تجذب من حوله وتُسعدهم، وقد يكون مُحِباً للخروج والمتعة والتنزّه، ويهتم بالحصول على وقت مريح للاسترخاء والاستجمام والتسليّة أيضاً، بالتالي من الجيّد مرافقته والانسجام معه؛ لنسيان الإجهاد وضغوطات الحياة، والتخلّص من التوتر والحصول على طاقة إيجابيّة ودفعة معنويّات عاليّة باستمرار.

• صديق السوء: – وهو ذلك النوع من الأصدقاء الشديد الخطورة على حياة صديقه، وذلك نظراً لما يكتسبه منه من عادات وأخلاقيات سيئة، وغير مناسبة تضربه على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، وهي صداقة تكون مبنية في الأساس على إشباع الشهوات والرغبات، وذلك دون وجود معايير دينية أو اجتماعية أو أخلاقية.

• صديق العمل: وهو ذلك الصديق الذي ارتبط بحياة صديقه في الأساس من خلال وجوده معه في عمل واحد، ومع مرور الأيام والمواقف تحولت تلك الصداقة الخاصة بالعمل إلى صداقة بشكلها الأكبر، والذي أتسع خارج نطاق العمل.

• الصداقة المبنيّة على التواصل والحوار: يكون هنا الصديق شخصًا قادرًا على الاستماع، ويتحلى بالصبر والتأنّي، والاهتمام بالغير، حيث يذهب إليه المرء عندما يحمل في جعبته الكثير من الأفكار والكلمات والحوارات التي يحتاج أن يبوح بها لشخص يُنصت له ويحترمه، ويدعه يُعبر عمّا يدور في خاطره بطلاقةٍ، ويُعيره آذانه ويتركها مفتوحة له بصدرٍ رحب دون إصدار حكم مُتسرّع أو الحاجة إلى التدخل ومقاطعته وإزعاجه، حيث إنّ هذا الصديق يتحكم في ردة فعله ويعرف كيف يتصرف ويُدرك حاجة صديقة للبوح والتعبير، هؤلاء هذا النوع من الأصدقاء مُستمعون ماهرون، يُجيدون الرد في الوقت المناسب ويلجأ لهم الآخرون في وقت الشدّة وعند تراكم المشاعر والحاجة للتنفيس عنها، وإخراجها دون ترددٍ أو خوف من ردود أفعالهم.

• صديق السفر: وهو ذلك الصديق الذي يمتلك في داخله مجموعة من الصفات ومنها المرونة والقدرة العالية على تحمل المشاق والصعاب والعقبات بل أن يكون متقبلاً لتلك الأوضاع السلبية في حياة صديقه.

• صديق الشدة: وهو ذلك النوع من الأصدقاء الذي قد نشأت صداقته في الأساس عن الحاجة للمساعدة من جانب الشخص، وذلك يكون في وقت تعرّضه للشدة أو أزمة ما في حياته، وهي من أشكال الصداقة المهمة في حياة أي إنسان لأن ذلك الشخص الذي يقوم بمساندتك، والوقوف إلى جوارك في الشدائد هو ذلك الصديق الوفي والحقيقي، والذي لا يجب التخلي عنه بأي شكل كان.

• الصديق الافتراضي: وهو ذلك النوع من الصداقة التي تكون قد بنيت على أساس افتراضي أو حتى دون أن يرى أولئك الأشخاص أصدقاءهم بشكل فعلي مثال أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الغالب ما يكون أعداد هؤلاء الأصدقاء كبيراً للغاية، ومن عدة أجناس وأعراق مختلفة.

فاحرص على انتقاء الصديق الحقيقي الذي ترى فيه روحك و الذي قال عنه امير المؤمنين علي عليه السلام: “صديقك من صدقك لا من صدقك”.

فالحصول على صديقٍ مقرّب ومخلص في حياة المرء أمرٌ في غاية الأهميّة،؛ لأنه يجعل حياته أكثر عقلانيّة وواقعيّة وبساطة، وذلك عندما يقدّم الدعم اللازم له دون الحكم عليه أو لومه أو الانزعاج منه مهما كان السبب، بل يُحبه ويحترمه دائماً دون سببٍ واضح أو ربط لشخصيّته وسلوكه، وبالتالي فإنّ هذا النوع من الأصدقاء يلجأ المرء له ويبوح له بجميع الأسرار مهما كانت عميقة ومهمة، دون خوفٍ أو تردد، إذ أنه مُطمئن لكونه سيبقى مخلصاً وداعماً في جميع الحالات ودون أيّ شروط ولن يتغيّر أو تتغيّر مُعاملته له مع الوقت، واحذر أصدقاء السوء والمنافقين وأصدقاء المنفعة فهؤلاء يجب التعرف عليهم في أسرع وقت وإلغاؤهم من حياتك فإن هؤلاء كارثة حقيقية في حياتك يجب التخلص منهم ورميهم في سلة المهملات لأنه لا قيمة لهم في حياتك كما قال الله في محكم كتابة بسم الله الرحمن الرحيم {فأما الزبدُ فيذهبُ جُفاءً وأما ما ينفعُ الناسَ فيمكُثُ في الأرض} صدق الله العلي العظيم.


المصادر:
• https://teb21.com/article/the-most-beautiful-thing-was-said-in-the-true-friend
• https://mawdoo3.com/%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%82%D8%A9
• https://www.almrsal.com/post/441846



error: المحتوي محمي