البقوليات الغذاء السحري القادم  

كنا صغاراً، نأكلها ونتلذذ بطعمها، معظم ربات البيوت يتكفلن بطهيها وإعدادها لأفراد أسرتها، وهناك من يبيعها لأهالي الديرة في أماكن معروفة، أمام المنازل وفي الساباط والبراحة والأسواق الشعبية وفي أماكن التجمعات والمناسبات الاجتماعية، هي من ذكريات الطفولة؛ طفولة ارتبطت بذكريات جميلة.

من منا لا يحب البقوليات، وجبة خفيفة ومسلية ومشبعة عادة ما يصاحبها جلسات ممتعة، هي مصدر للطاقة والبروتينات والألياف الغذائية، لذيذة وقليلة السعرات وسهلة التحضير، ينصح بوجودها في طعامنا دائماً.

ما زلتُ أتذكر بائعة الباجلاء، كانت تغطي قدرها بقماش ليظلُّ ساخناً، مجرد وصولها إلى مكانها المعروف، يتزاحم الأطفال والكبار حولها، الكل ينتظر دوره، تغرف لهم بمقدار القروش التي يملكونها – البركة في القليل تطرح كثير – والجلوس على أعتاب البيوت المهترئة وزواياها المطلة على الطرقات، هم شغوفون بأكلها والاستمتاع بطعمها، ولعل الشائع في تلك الفترة الباجلاء وأيضاً النخج والفاصوليا واللوبا والدال، كلها تنتمي إلى فصيلة البقوليات التي تضم أنواعاً متعددة منها العدس والبسلة وفول الصويا والترمس.

أين نحن الآن من روعة ذلك الزمن الجميل، ملامح الديرة وأهلها الطيبين، من ذكريات الطفولة بحلوها ومرها، قديمة من عمر السنين، لكنها قريبة من القلب والخاطر، كأنها البارحة، تعلمنا فيها الرضا والقناعة وكل القيم الجميلة.

كنا صغاراً – وما زلنا أحياناً – نأكلها خارج المنزل، اعتدنا على تناولها من باعة متجولين، نراهم في عربات أو كشكات مجهزة بجميع المستلزمات، في الأسواق والحدائق والمنتزهات، أو يبسطون بقدورهم على أﺭﺻﻔﺔ الطرق، ﻭﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ العامة.

هل البقوليات هي الغذاء السحري القادم بكونه حلاً فعالاً لمشكلات الجوع، والتغذية النباتية لدى كثير من شعوب العالم، إضافة إلى ذلك قدرتها على الحماية من أمراض القلب، والذبحة الصدرية، وتصلب الشرايين وسرطان الثدي والبروستاتا؟

لا ينكر العلم أن للبقوليات فوائد صحية في حالة استخدامها بصورتها الطبيعية، سيكون على الناس أن يعتمدوا على اللحم المصنوع من بذورها “لحم الفقراء” الغنية بالبروتينات النباتية.

يحوي كل 40 جراماً من الترمس ما يقارب 50 سعرة حرارية، وجرام من الألياف الغذائية المفيدة لنزول الوزن، المهمة لصحة القلب والشرايين، و6 جرامات من البروتينات التي تساعد على زيادة الإحساس بالشبع وتبني العضلات والخلايا، و1.4 من الدهون الصحية المعززة لصحة الأوعية الدموية والقلب، وهي مصدر لعدد من المغذيات المهمة لصحة الجسم ولتعزيز مناعته في مكافحة الأمراض، وأشهرها فيتامين C , فيتامين B1 , وحمض الفوليك، الحديد، الفوسفور، الزنك، الكالسيوم والمغنيسيوم والمنجنيز، كما يحوي كلاً من أوميجا – 3 وأوميجا – 6.

وتشكل بذور البقول كالفول والعدس والحمص 10 في المئة من حجم الوجبات اليومية، وتطهى إما لوحدها أو مع غيرها من الخضراوات أو مع الحبوب، ويتفنن الناس في إعدادها وتجهيزها، وتُقدم بأشكال وأطباق متعددة.

طبق الفول مع الطماطم والبصل وزيت الزيتون والخبز، الذي شاع تناوله صباحاً، يعد وجبة غذائية متكاملة، فهو غني بالبروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية، وننصح بنزع القشرة الخارجية للفول؛ لاحتوائها على مادة الفايتيت (Phytate) التي تعوق امتصاص الحديد الموجود في الفول، ويفضل إضافة الليمون إلى طبق الفول؛ فهو غني بفيتامين C الذي يساعد على امتصاص حديد الفول.

تساعد في مقاومة التوتر والإجهاد، ويعتقد أنه يحتوي على مركبات كيماوية معقدة تقاوم أمراض السرطان، ومفيد للقلب، ويعمل على خفض ضغط الدم لدى النساء في مرحلة سن اليأس، ويحتوي على مواد تقوي مناعة الجسم ضد الأمراض.

تشكل البقول بصفتها بديلاً رخيصاً عن اللحوم لدى ذوي الدخل المنخفض، مصدراً رئيسيًا للبروتين، وبسعر مقبول، فضلاً عن أهميتها في البلدان الفقيرة، مثل هذه الشعوب قد يتناولون اللحم والبيض والسمك – مرة في الأسبوع – نظراً لارتفاع أسعاره، هؤلاء يعانون من نقص في البروتين الحيواني، وهنا تعرف قيمة البقوليات وخصوصاً هذا النبات العجيب “فول الصويا” الذي يسمى في دول شرق آسيا “اللحم بدون عظم”، إن هذا النبات – لحسن الحظ – يحتوي على البروتين من الدرجة الأولى، وأيضاً حديده يمكن هضمه وتمثيله، حيث يمر في الدم بفاعلية تصل إلى 80 في المئة، وهذا له الأهمية الحيوية في رفع مستوى الحديد في الدم للذين يعانون نقص الحديد.

أثبتت الأبحاث الجارية أهمية الألياف الغذائية الذائبة التي تتواجد في البقوليات بأن لها تأثيراً واضحاً في خفض نسبة السكر في الدم عن طريق التقليل من امتصاص الجلوكوز.

كشفت دراسة حديثة شملت مجموعة من مرضى الكلى الناتجة عن السكري، أن إضافة البقوليات كفول الصويا إلى برنامجهم الغذائي أدى إلى الحد من كميات البروتين الخارج من البول، وهذه من عوارض تحسن الكلى.
المصدر: مجلة التغذية (www.nutrition.org).

الخليط من البروتينات النباتية مثل الحبوب والبقول تكمل بعضها، حيث إن مجموع الأحماض الأمينية الموجودة في البقول ينتج خليطاً من الأحماض الأمينية ذات قيمة غذائية أحسن مما لو تناول الفرد الحبوب أو البقول كل على حدة، وقد استعمل الإنسان خلط البروتينات النباتية منذ قديم الزمن ولو أنه لم يعرف أهميتها الغذائية إلا في هذا القرن، فالصينيون القدماء استعملوا بروتيناً ذا قيمة بيولوجية عالية من خليط بروتينات.

وبدراسة محتوى الأغذية من الأحماض الأمينية المختلفة يمكن معرفة إمكانيات خلط البروتينات حسب محتواها من الأحماض الأمينية لتكمل بعضها البعض، فمثلاً بروتين الحبوب ينقصه الحامض الأميني Leucine، ويمكن إكمال هذا النقص ببروتين الحليب، كما أن بروتين البقول ينقصه الحامض الأميني Methionine، وبخلط بروتين الحبوب مع بروتين البقول يمكن تعويض النقص في كل منها، وهذا يوضح أنه ليس من الضروري أن يتناول الفرد بروتيناً حيوانياً مثل السمك أو اللحم أو الحليب أو البيض للحصول على بروتين عالي القيمة الغذائية للصيانة والنمو، كما أن هذا يوضح أيضاً أن النباتيين Vegetarian لا يعانون من النقص في الأحماض الأمينية.

عملية خلط البروتينات النباتية من الحبوب والبقوليات لإنتاج بروتين عالي القيمة الغذائية من الأمور الهامة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية أو يميلون إلى التغذية النباتية، ولهذا أمكن إنتاج وجبات مكونة من مخاليط من بروتينات نباتية لمعالجة بعض الأمراض وحالات سوء التغذية في الأطفال.

بعض البقوليات لأهميتها أصبحت مستحضرات صيدلانية أو أغذية ذات استخدامات خاصة، تباع دون وصفات طبية في محلات الأغذية الصحية.

تناول البقوليات بكثرة يعمل على حدوث آلام معوية مثل الامتلاء والشعور بالانتفاخ والغازات والإسهال، ولكن هذه الأعراض تزول بعد فترة من الزمن لدى كثير من الناس، ويمكن استنبات بذور الفول الجافة عدة أيام في مكان رطب قبل طبخها، وذلك للتخلص من تأثيرها المولد للغازات، كما أن تناول كميات كبيرة من البقوليات يسبب حدوث إدرار بول إسموزي ومن ثم الشعور بالعطش والرغبة في شرب كميات كبيرة من الماء للمحافظة على الاتزان المائي في الجسم؛ لذا يراعى تجنب الإفراط في تناول الفول على مائدة السحور في رمضان.

ونقول لمن يعانون من مرض عوز (G6 PD) الوراثي الناجم عن انحلال شديد في الدم بتجنب تناول البقوليات التي تعتبر من أسباب هذا المرض، ولأصحاب العربات والكشكات أو الباعة أنفسهم نقول إنه لا بد من المحافظة على النظافة الشخصية لمن يباشر عملية البيع، وذلك بالتزود بغطاء للرأس والقفازات والملابس النظيفة، وغسل الأيدي المستمر بالماء والصابون، والتجفيف بالمناديل الورقية، ومن الضروري تنظيف وتعقيم العربة أو الكشك مرة في اليوم، ويفضل أن يتم ذلك في نهاية العمل، وعدم الاستهتار واللامبالاة في هذه الأمور.

من المؤكد أنكِ ستشعرين بالمتعة عندنا تستخدمين البقوليات بأنواعها المتعددة وأشكالها الجميلة، كوسائل لتزيين مطبخكِ!! يمكنكِ تعبئة كل نوع منها في زجاجات مختلفة الأشكال والأحجام محكمة الإغلاق ووضعها على الرفوف في المطبخ لتزيينه بألوانها وأشكالها الجميلة لحين الحاجة إليها، فقط تأكدي من أن المكان الذي تحفظينها فيه جاف وبارد نوعاً ما.

ختاماً، بنظرة متأملة لمحتوى البقوليات من البروتينات، قد نتجاوز حاجة الجسم اليومية من بروتينات، علاوة على أن نوعية بروتين البقول تعتبر من أفضل نوعية البروتينات، فالقاعدة التي يمكن أن تستنتج من مجمل أبحاث العقدين الأخيرين من الزمن تقول: “فتش عن أمراض العصر، حيث يكثر تناول اللحوم والشحوم، وثق بأنها تقل حيث الأغذية النباتية”.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي