ابنة مملكتين.. آيات آل سهوان ولدت لأم بحرينية وأب سعودي.. وهجران والدها حرمها الجنسية

يسكنها حلمٌ يتيم، يختلف عن أحلام الفتيات الأخرى، حلمٌ تختصره كلمة واحدة تكتب بالقرب من خانة جنسيتها، بعد أن حرمت منها لأسباب لا يد لها فيها؛ فلا هي تنسب لجنسية أبيها كبقية إخوتها وأخواتها، ولا هي تتبع جنسية زوجها ووالدتها.

تتأرجح آيات موسى آل سهوان بين بلدين شقيقين، فهي مولودة لأب سعودي وأم بحرينية، شاء قدرها أن يهجر والدها والدتها وهي جنين في رحم أمها، فهجرتها الجنسية، وما طالت “عنب الشام ولا بلح اليمن”.

هجران وبعد
بدأت قصة آيات قبل ولادتها، تحديدًا في عام 1992 م، حين تزوج والدها موسى آل سهوان، المنحدر من بلدة الخويلدية، بوالدتها، وهي إحدى المواطنات البحرينيات، إلا أنها تفاجأت وهي حامل بطفلتها بهجر زوجها لها دون أسباب تذكر، حسب رواية آيات.

تقول “آل سهوان” لـ«القطيف اليوم»: “حسب ما أعرفه أنه لم يكن بين والديّ أي مشاكل أبدًا، إلا أنه هجر أمي وهي حامل بي فجأة، فحاولت أن تبحث عنه، وقدمت طلبًا بمنع السفر عليه، حتى تعلم بدخوله البحرين لو زارها ذات وقت، وفي 17 فبراير 1993م أنجبتني أمي، وبقيت في انتظار أن تسمع خبرًا عنه إلا أنه لم يزر البحرين منذ ذلك الوقت حتى أصبح عمري 3 سنوات، ولم يدخلها بعدها”.

وتضيف: “حاولت أن تذهب لموطنه -السعودية- كي تبحث عنه، إلا أنها تعثرت بعدم معرفة أحد عنه أي شيء”.

في مرحلة الدراسة
كبرت الطفلة في حضن والدتها، والتحقت بالمدرسة بشهادة ميلادها وأوراق والدتها الثبوتية، والرقم الشخصي، وهو رقم في البطاقة السكانية بالبحرين ويعرف بـ “سي بي آر”.

مرت سنوات دراستها، وهي ترصف شارع الحلم بيوم تخرجها من الثانوية والتحاقها بالجامعة، سيما أن التفوق كان وسامها في سنواتها الدراسية.

حلم آيات بدخول الجامعة اصطدم بواقع أنها بلا هوية، تقول: “قدمت للالتحاق بالجامعة، لكن في بداية الأمر رفضوني لأنني بلا هوية”.

وتتابع: “سخر لي الله شخصًا تعاطف مع قضيتي، وقبلني، ودرست لمدة سنتين، إلا أن نفسيتي كانت دائمًا في قلق أن أطرد من الجامعة، وهذا ما جعلني أترك الدراسة بنفسي، ثم اتجهت لجامعات ومعاهد أخرى، ولم أقبل والسبب أنني “بدون”.

وتضيف: “كنت وما زلت من المتفوقات وأحب الدراسة، إلا أن واقعي حال بيني وبين إكمال دراستي”.

حلم باللقاء.. والموت يقلبه كابوسًا
جرت الأيام بـ”آيات” حتى بلغت العشرين من عمرها، وهنا لم تكن تعلم أن إخوتها الذين بدأوا يكبرون قرروا أن يواجهوا والدهم للبحث عن أختهم التي لا يعرفون عنها شيئًا، وهنا تدخلت مشيئة الله وساقت صديقة والدتها إلى حفلة زواج في السعودية، وصادف وجود إحدى زوجتي أبيها في تلك الحفلة، وحديث ساق حديثًا بين المرأتين، فأعطتهم رقم والدتها في البحرين، وتواصلت معها زوجة أبيها، وحدث اللقاء بين آيات وإخوتها.

تقول أختها وديعة آل سهوان: “حاولنا البحث عنها أنا وإخوتي وأخواتي، ولطالما تناقشنا مع الدي رحمه الله، في ضرورة أن يلتقي بابنته ونلتقي بأختنا التي لا نعرف عنها أبسط أمورها، وحين شاء الله أن نلتقيها، سألنا والدي عن إضافتها في دفتر العائلة، فأكد لنا أنه سيذهب يوم الاثنين لمكتب الأحوال المدنية لإضافتها، لكن قدر الله كتب موته قبل موعد ذهابه بيوم واحد، وحتى قبل أن يلتقي بابنته أو يراها”.

زواج في المحكمة
موت والدها قطع أملها في أن تكون لها “هوية وطنية”، رغم ذلك لم تتوقف حياتها على مجرد ورقة، ففي عام 2013 م، تزوجت “آل سهوان”، وهنا اختلطت فرحة عمرها بحزنها على وضعها، تصف ذلك اليوم بقولها: “عقد زواجي لم يتم كما يحدث مع أي بنت في عمري، بل كان في المحكمة، ولم أكن متيقنة أنه سيحدث – لولا فضل الله – لأن الشيخ رفض العقد كوني بدون جنسية، لكن بعد عناء وافق وتم العقد، وقد حضر إخوتي من والدي للشهادة على زواجي، وبشهادة وفاة أبي”.

بعد زواجها رزقها الله بطفلين، أنجبت طفلتها الأولى قبل 5 سنوات في مستشفى حكومي، والثاني قبل سنتين ونصف في مستشفى خاص، وقد تمت ولادتها بالرقم الشخصي وشهادة ميلادها، ولأن زوجها بحريني قبلوها في المستشفى.

إثباتات.. والجنسية “بدون”
تمتلك “آل سهوان” بعض الأوراق التي تثبت هويتها كعقد زواج أمها، وشهادة ميلادها، والرقم الشخصي، وصك الورثة الذي أدخلها فيه إخوتها لأبيها، إلا أنها موسومة بلقب “بدون”، توضح: المفروض أنني أحمل الجنسية السعودية لكنهم في الجهاز المركزي للمعلومات وضعوا جنسيتي بدون، وهذا ما صعّب علي كل أمر في حياتي.

ورغم وجود شهادة ميلاد، إلا أنها تواجه صعوبة في استخراج هوية سعودية، والسبب في ذلك – حسب قولها – أن الإجابة جاءتها بأن عمرها تجاوز السن اللازمة كثيرًا، ولا بد أن تأتي للسعودية لإكمال إجراءات إصدار الجنسية.

مرارة الواقع
تصطدم آيات بمرارة واقعها في كثير من أمور حياتها، تقول: “أتعرقل بالكثير من المصاعب، إلا أن أصعب شيء واجهته هو أنني لم أكمل دراستي وطموحي، كما أنني أشتاق لزيارة بيت الله والطواف حول الكعبة إلا أنني محرومة من ذلك”.

وتتابع: “من الصعب أيضًا أن أي شيء أقدم عليه وأشعر أنه من حقوقي يقابل بالرفض، أي معاملة تقابل بعراقيل ولا تنجز، أو تنجز بعد وقت طويل، مثلًا حين حاولت أن أحصل على رخصة قيادة لم يكن الأمر بتلك السهولة أبدًا، لا أستطيع أن أشتغل لأنهم لا يقبلون توظيف منهم بدون جنسية”.

وتضيف: “كل أموري في الحياة أخاف أن أقدم عليها، أي شيء أريده حتى بعد زواجي، وحتى أي شيء يقدم عليه زوجي لا بد أن يتعرقل، مثلًا حين أراد أن يقدم على الإسكان كان عليه أن يركض كذا يوم كي يقبل طلبه لأنني (بدون)”.

بحث عن حلول
لم تكتف آل سهوان يديها أمام وضعها، بل فردتهما متجهةً إلى الجوازات البحرينية، تقول:” توجهت هناك حاملةً طلبين؛ طلب مختوم من المجلس الأعلى للمرأة في سنة 2004 م، والطلب الآخر استحقاق الجنسية لبيت الزوجية، كما تواصلت مع حقوق الإنسان في البحرين”.

وأضافت:” ذهب أهلي للسفارة وقسم الأحوال المدنية لوطني الأم، وهناك أنظمة واضحة ولها شروط خاصة، إلا أن الشروط كانت لا تتوائم مع ظروفي كأم، فقد أخبروهم أنه يتوجب علي العيش في وطني الأم لمدة لا تقل عن ست سنوات لاستكمال شروط استحقاق الحصول على الجنسية لكنني أم لطفلين، فكيف يمكنني ذلك؟! كيف يمكنني تركهم ست سنين وأعيش بعيدة عنهم؟!”.

وذكرت أنهم أخبروها بأنه يجب عليها رفع قضية إثبات نسب، وهي قضية مكلفة بالنسبة لها وتطول فترة حلها.

وتختم بقولها: “لا أخفي عليكم شعوري بالنقص أمام الناس وأمام أي أحد يعلم بوضعي، أتوق لأن أحمل جنسية وهوية لا أن أكون نكرة الهوية ومجهولة المصير”.



error: المحتوي محمي