من غير شك ولا ريب عتق الرقاب أمر مندوب إليه شرعاً، ومرّغب فيه -إن كان في محله-، جزى الله خيراً وإحساناً من ساهم بمال ولسان أو جاه وقلم لإنجاحه، ولكن ألا يُستحسن ويجدر بنا أن نتحرى عن أسباب القتل وطريقته؟ وما هو سلوك القاتل والمقتول في المجتمع والآثار التي تلت عملية القتل على الطرفين، ومَن يعنيهم، وما يُتخذ ويُراعى عقيب ذلك؟
بعضنا لإيمانه بما لهذا من أجر عظيم عند الله يبادر مسرعاً إلى العفو أو المشاركة في جمع المبلغ المطلوب للعتق؛ هنا من حيث المبدأ عمل طيب يُشكر عليه، ولكن هل هو في مكانه الصحيح؟
ننظر إلى ورثة المقتول إن كان له زوجة وأولاد والفقيد هو الراعي لهم، والتزم بعده في تلبية احتياجاتهم إن كان كذلك فلا بأس به وإلا فقد ظلمهم.
والمجتمع؟! صنف من الناس -بعض هذه الحالات حصلت- يتقدم والد المقتول بالتنازل من طرف واحد تلبية لرغبات الوسطاء والوجهاء ليتقرب منهم دون مقابل مالي، تاركاً الورثة وكأنهم بعد التنازل لا يعنونه بشيء، وهم لا حول لهم ولا قوة.
قلب أم ثاكل يحترق ويعتصر ألماً، كيف لا وهي تسمع وترى قاتل ولدها حراً طليقاً وأولاده جياع في ضياع إلا مِن أهل المعروف.
وربما القاتل كان مجرماً عصياً على العقوبات المتعدد تنفيذها عليه لا مبالٍ بها ولا بغيرها، أعَمل مثل هذا يرضي الله أو يقبل به الضمير الإنساني؟! أرى أنه في هذا الموقف جانَب الصواب، وارتكب منكراً بفعله بل عمل محرماً يُؤثم عليه، في المقابل يتسارع الخيرون من المجتمع بجمع مبالغ طائلة طُلبت لعتق الرقبة.
البعض حبس أنفاسه يتساءل متى يكتمل المبلغ المطلوب ويتحرر المحكوم؟ تشتغل مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه في حالة العجز عن إكمال المبلغ كارثة تحل بالبشرية جمعاء أو حلّت، مَن يقول بقي شهر على القصاص، بقي يومان، أينكم يا أصحاب المال، والهمم والمعروف أفرحوا أمه بخروجه، وأم الفقيد ما لها ومَن لها؟ وكأنها دون قلب على مفقودها؟
بعض الديات مبالغ فيها لا حباً لها وإنما لتعجيز حصولها ورغبة بالقصاص.
نحن مجتمع موحّد نعاني كثيراً من عمليات القتل وبعد هدوء العاصفة قليلاً كأنها عادت من جديد.
لنتذكر عندما نخسر شاباً نترقب خسران قاتليه واحداً كان أو أكثر، لذا علينا أن نعتبر وتستيقظ ضمائرُنا، ونستحضر قلوبنا، وتكون عيوننا مفتحة على أولادنا، حتى نسلك بهم طريقاً لا يشجعهم على القتل أو يكونوا في مأمن من القصاص.
كفى.. أثكلت أمهات ورملت نساء ويتمت أطفال، وأصبحنا نعجو بالكثير من هذه الحالات.
وفي الختام: موفق لعتقك رقبة، ولكن احذر أن تقطع بها رقاباً.