عندما عزمتُ على الزَّواج في العشرين من عمري، أرعبتني فكرة أنَّني سوف أصبح مسؤولًا، ليس فقط عن حياتي بل عن شخصٍ آخر، كيف أجعل هذا الإنسان سعيدًا منذ البداية؟ وكيف ينقضي أول عام؟ أكبر مهمَّة في حياتي لم أحصل على تأهيلٍ لها سوى ما أهَّلني له الله في حوافز طبيعيَّة تدعو للتكاثر، وبعض المواهب الفطريَّة والغريزيَّة!
لنقلها بصراحة، كما تفاجأتُ أنا، سوف يتفاجأ أغلب المتزّوجين، وعلى الخصوص الشابَّات في الأيَّامِ الأولى من الزَّواج بحياةٍ مختلفة وغريبة عليهن، بعد أن كنّ في السَّابق ترعاهن الأمّ الفاضلة والعاملة، وأنه مطلوب منهنّ – في الغالب – أن يؤدّين مهامًّا لم يكن يؤدّينها من قبل. ولأن أغلب أسرنا لا تمهّد لهذه الفترة، لا للصبيّ ولا للصبيَّة، يصبح الزَّواج إما نافذةً لحياةٍ أهنأ وأجمل أو لأخرى أكثرَ مشقَّة وتعبًا!
من الأشياء التي لا نشغل بالنا بها كثيرًا إلا بعد الزواج، الأمور الزوجيَّة الخاصَّة، المشاركة في مصاريف المنزل، الإنجاب والتَّربية، تقاسم العناية بالسّكن وإعداد الأكل وطرق حلّ المشاكل والاحترام، كلّها مسائل بسيطة لكن قد تكون القشَّة التي تقصم ظهرَ بعيرِ الزَّواج في حال لم يتمّ تجاوزها. الإعداد النظري ينفع، لكننا نحتاج تدريبًا عمليًّا وواقعيًّا يحاكي الحياةَ الزوجيَّة، وإِن ليس في كلِّ جوانبها، فما المانع أن تتعلم الصبيّة أساسيَّات الحياة الزوجيَّة في دارها شهورًا عديدة قبل الزَّواج؟ وتكون هي القائمة بالأعمال، وما المانع أن يتدرَّب الشابّ على أساسيّات الحياة الزوجيّة أيضًا؟
هذا الإعداد ليس حصرًا على الإناث، فالصبيان أيضًا يكبرون والأمّ والأب والعاملة يقومون على خدمتهم دون أي اكتراثٍ أو إدراكٍ منهم أنَّ هذه الحقبة من حياتهم مؤقَّتة ويستقلّون بعدها بحياتهم ومن ثم عليهم هم لا غيرهم العناية بأنفسهم ومحيطهم. ولهذا من الطبيعيّ أن يُعزى النَّجاح النسبيّ في مؤسّسة الزَّواج قديمًا مقارنة بالوقت الحاضر للتَّدريب العمليّ للشَّاب والشَّابة على تحمّل المسؤوليَّة ـ أو جزء منها – وإن كان هذا الإعداد غير مقصودٍ بحدِّ ذاته، وإنما ناتجًا عن نواتجِ الحالة الاقتصاديَّة آنذاك!
من الدّورات العمليَّة والواقعيَّة التي تدرَّس في الغرب استعدادًا للعناية بالمولود تكون باستخدام دمية تبكي وتتذَّمر، ومن ثمَّ على البنت أن تغذِّيها وتهزّ مهدها وتنظِّفها، كل هذا لاكتشاف مدى تحمل المولود المنتظر. هذا وأساليب أخرى قد نستفيد منها مع تطويرها وتحويرَها بما يناسبنا، لعلَّنا نؤسس لنجاحٍ أعظم من السَّابق في هذا الشَّأن.