بابا لال وماما ناية!

البارحة عاد أحفادنا إلى دار سكناهم ومقر عمل آبائهم وأمهاتهم في مدينة الرِّياض بعد قضاء نحو عشرين يومًا معنا في القطيف. غدًا نستيقظ ولا أحد يبكي وعندما يرانا يلوذ بي “بابا لال” وهذا هو الاسم الذي يناديني به الصغار منهم لأنهم لا يستطيعون بعد نطق اسمي بالشَّكل الصَّحيح، هلال، أو بجدَّته “مامَا ناية”.

نعم، غدًا عندما نجلس إلى المائدة نكون اثنين – الجدّ والجدة – لا أحد يزعجنا، لكن ونحن نأكل نفكر في بهجتهم وسعادتهم، وطعامهم وشرابهم ومستقبلهم، راجينَ لهم من الله أن يكبروا ويكونوا خيرَ أجدادٍ وجدَّات مثلما نظن أننا كنَّا لهم.

ثم إذا كان أبناؤنا ليسوا معنا – كلهم – لكنهم قريبون جدّا ونستطيع رؤيتهم وزيارتهم والحديثَ معهم متى ما أردنا، إلا أن في العالم ملايينًا من الآباء والأجداد لا يستطيعونَ وسيلةً لرؤية الأبناءِ والأحفاد، فالشكر لله على هذه النعمة.

من من كان له صبيّ فليتصاب له، هذه أجمل نصيحة لقضاء أسعد الأوقات مع هؤلاء الصغار، إذ بين زعقاتهم وبكائهم أوقات جميلة للتصابي والدَّلال وأحيانًا كثيرة الطَّفش والصّداع والتذمر. اليومَ رحلوا، ومع أنهم أحياء وبخير، إلا أنهم يرحلونَ بقطعٍ من قلوبنا وأكبادنا. رحلوا وترحل معهم زينةُ الحياة الدّنيا حتى يعودونَ مرَّة أخرى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ }.

في كلِّ زيارة أحاول توثيقَ بعض الأوقات بالكتابة والصورة، يقينًا مني أنهم سوف يكبرون، وعندما يكونون عظماء في القادم من الأيام ويفكرون في كتابة سيرهم الذاتيَّة يكون لبيت جدِّهم وجدتهم نصيب وقسط من هذه السيرةِ الجميلة.

في يد كلِّ واحدٍ منا آلة في شكل هاتفٍ متنقل، وهي تمكننا من أخذ صورة وكتابة ملاحظات في كلِّ الأوقات، وهذا ما لم يكن متوفرًا في السَّابق عند كلِّ أسرة وشخص. ومن مطالعتي لسير بعض المشاهير وجدتُ أن لديهم كثيرًا من الصور في مرحلة الصبا، وأن عوائلهم لم تغفل عن توثيقِ بعض الجوانب من حياتهم. بينما نحن – أبناء الستِّينات – في منطقتنا أغلبنا لا يعرف على التحديد في أي يومٍ أو شهرٍ كان ميلاده، بل ربَّما حتى السَّنة، وكأننا ولدنا قبلَ التَّاريخ والكتابة.

في الخلاصة، إن كان لي من نصيحة أقدِّمها لكم فهي: استمتعوا بصغاركم، فهم يكبرون سريعًا، وتولوا كتابة وتصوير بعض الحوادث والذِّكريات قبل أن يفوتَ الأوان، فلعلكم تجدون واحدًا منهم يعلق صورةً له مع جدِّه في مكتبه الفخم، كلما رآها قال: رحمكَ اللهُ يا جدِّي!


أفكار هذه المقالة تحت عنوان “بيت جدِّي”، شهر رمضان المبارك 1442 هجرية.



error: المحتوي محمي