كم يا ترى هي الأموال الطائلة التي بذرناها طوال سنين حياتنا كانت كفيلة بأن تغير واقعنا المعيشي إلى الأفضل ، كما ينتفع بها ذوونا ومن هم تحت رعايتنا. كم من شخص يعاني العوز والحاجة وربما استدان حين احتاج لأن يتزوج أو يزوج أبناءه أو أن يبني له بيتاً أو يوفر له ضرورة من ضرورات الحياة هي أولى بكثير مما أسرفنا عليه في سنوات خلت بسبب التبذير وسوء التدبير.
وحتى المبالغ التي حصلنا عليها من تقاعد أو ادخرناها طالها سوء التصرف فضاعت بسبب اتخاذ قرارات ارتجالية أو عفوية، أو استنفذت في مبنى أو شراء أرض أو أرضين في وقت كان بالإمكان الاحتفاظ بجزء محرزٍ منها لمواجهة ظروف الحياة المتقلبة. بل والأدهى والأمر من ذلك هو العكس حين يختزن البعض هذه الأموال ويحرص عليها حرص البخل والتقتير على نفسه وعياله وهو المقتدر، كل ذلك خوفًا أن تضيع ولا ندري ما هي مقاييس الضياع هنا سوى أنه حرص في غير مكانه حتى وقت يأخذ الله فيه أمانته ويرث من يرث ما أفنى من أجله عمره، وربما يستفيد الورثة من ذلك وربما تخذلهم الحيلة وحسن التصرف، ويضيع كل شيء هباء منثورا.
نعود لما بدأنا به ونقول إن التبذير والإسراف آفة ابتلينا بها في هذا الزمن الذي يكفينا فيه الغلاء المستشري وبلا توقف، في الوقت الذي لا نعبأ به بما يجري ولا تزال مصاريف الكماليات الزائفة كما هي، وبنظرة خاطفة للفائض عن حاجاتنا نقف مدهوشين أمام أكوام الملابس المتكدسة التي في دواليبنا والأحذية والعطورات على اختلافها والأجهزة الإلكترونية من جوالات وأجهزة ألعاب وسيارات وكماليات أخرى فائضة عن الحاجة كما هي. إضافة للأطعمة والمواد الغذائية التي نسرف فيها ببذخ ولا مبالاة، وكما هو إسرافنا في المطاعم التي تتضاعف الأسعار بها، كل ذلك على جانب، والأسفار المتعاقبة على جانب آخر وهي التي تستهلك الجزء الأكبر من الأموال، بل وتراكم الديون وراء الديون، كل ذلك لا لشيء سوى المناظرة والتباهي وربما تقليداً للغير المقتدر.
وحتى إن كنا مقتدرين.. من قال إن ذلك يعطينا الضوء الأخضر للعبث بأموال ائتمننا الله تعالى عليها وخولنا التصرف بها بحكمة وتدبر وفي غير ما حرم ونهى عنه.
ما هي الحكمة التي تجعلنا نصرّ على أن نقتني فوق طاقتنا ونسرف فوق حاجتنا ونلبس أضعاف ما نحتاج لكسوتنا، ماذا يعني ألا أعود من السوق أو المتجر أو المجمع إلا وفي يدي وأيدي من معي أكياس الملابس والمقنيات الأخرى وبأعلى وأغلى الأسعار، هذا فضلاً عن موضة المتاجر الإلكترونية والتي أصبحت أسهل طريقة لضياع الأموال، فبضغطة زر يمكن أن تشتري ما تريد ودون تفكير وهذه الأسواق الرائجة الآن هي أسرع طريقة للابتزاز والسلب وبيع أسوأ البصائع.
سوف نفلس تماماً إذا لم نراجع أنفسنا ونبدأ بالترشيد الذي لابد منه وأن نحسن التصرف في مال الله عز وجل حتى وإن كنا مقتدرين لأن ذلك لا يعطينا الحرية بحجة أن هذه أموالنا، بل على العكس نحن مساءلون عن كل مثقال ذرة، أموالاً أم خلاف ذلك فلا يعقل أن نحمّل أنفسنا ما لا نطيق، ثم لا يعقل أيضاً أن يكون المال الذي تحت أيدينا سائباً لدرجة العبث والكفر بالنعمة مهما كثر أو قل مقداره.